يجد المسؤولون الأوروبيون أنفسهم أمام حتمية وضع خطط عاجلة لتأمين الحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي من خطر تدفق موجة جديدة من المهاجرين، هذه المرة ليس من تركيا لكن من دول شمال أفريقيا.
ومن جهة تكافح المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل من أجل التوصل إلى اتفاق معقول مع تركيا لوقف تدفق المهاجرين من منطقة شرق البحر المتوسط، بينما يتسع من الجهة الأخرى طريق ليبيا أمام اللاجئين المتطلعين إلى الوصول إلى أوروبا.
ومازالت سواحل ليبيا تشهد تحركات نشطة من قبل مهربي البشر الذين تمكنوا العام الماضي من إرسال 157 ألف مهاجر إلى أوروبا، ليسوا من سوريا أو العراق أو أفغانستان، ولكن أغلبهم جاء من إريتريا ونيجيريا والصومال.
ويقول المحلل البريطاني توني باربر إن “إنهاء النزاعات المسلحة في أفغانستان والعراق وسوريا لن يساهم في وضع حد لتدفق المهاجرين القادمين من منطقة جنوب الصحراء، وإن نجح الأوروبيون في إغلاق طريق تركيا، فسيفتح المهربون طريق ليبيا”.
وكانت خطة ميركل الرئيسية المسماة “الحل الأوروبي” تقضي بإقناع تركيا بمنع المهاجرين من مغادرة شواطئها وإعادة من لا يتأهلون للحصول على حق اللجوء إلى بلدانهم الأصلية أو إلى تركيا وتقسيم اللاجئين الشرعيين في ما بين الدول الأوروبية.
أما الخطة البديلة التي تعكس ارتيابا في أن تركيا ستنفذ التزاماتها كما تعكس نفاد صبر لاستمرار وصول اللاجئين، فكانت تنطوي على إغلاق الحدود عبر منطقة البلقان وإبقاء المهاجرين الجدد في اليونان.
لكن تجد أوروبا نفسها أمام حدود أخرى ليس من السهل إغلاقها.
وتواجه أوروبا معضلة تفكك سلطة الدولة في ليبيا بعد مرور خمسة أعوام على تدخل حلف شمال الأطلسي (الناتو) لمساعدة المحتجين في الإطاحة بالزعيم الراحل معمر القذافي.
ونتج عن الفوضى التي أعقبت قتله عام 2011 انتشار المتشددين الإسلاميين في عدة مدن تطل على ساحل البحر المتوسط، آخرها سرت التي يحشد فيها تنظيم داعش قرابة 5 آلاف مقاتل، ويتخذها قاعدة له.
وغذت مخاوف حكومات غربية، وعلى رأسها إيطاليا، استعداداتها للتدخل عسكريا لمكافحة التنظيم في ليبيا، وهو ما مثل استراتيجية موازية لتحركات ميركل تجاه تركيا لغلق الطريقين الرئيسيين اللذين مازالا يقودان المهاجرين إلى أوروبا.
لكن الأوروبيين لا يرغبون في التدخل العسكري إلا بعد تلقي طلب من حكومة توافقية ليبية تشهد خلافات عميقة بين البرلمان الشرعي في طبرق، والمؤتمر الوطني العام المنتهية ولايته في طرابلس.
وتجد أوروبا نفسها في كل الأحوال أمام مغامرة غير محسوبة العواقب عليها أن تخوضها في ليبيا التي تشكك في مدى استقرار الحكومة فيها حتى إن تشكلت في المستقبل القريب.
وتعتمد أوروبا في استراتيجيتها الأمنية في شمال أفريقيا على الجزائر، ثالث أكبر مصدر للغاز لأوروبا بعد روسيا والنرويج، والتي تمتلك أكبر جيش في المغرب العربي.
ومن تناقضات السياسة الأوروبية في المنطقة إصرار الجزائر على موقفها الرافض لأي تدخل أجنبي في ليبيا، ورغم ضغوط أوروبا لا تبدو الحكومة الجزائرية مستعدة للتعاون مع أوروبا في محاربة الإرهاب والهجرة غير الشرعية في المنطقة.
وتهمين مخاوف داخل الاتحاد الأوروبي من اقتراب انهيار نظام الرئيس الجزائري المريض عبدالعزيز بوتفليقة.
ويتوقع الكثير من المسؤولين الأوروبيين أن صراعا عنيفا على السلطة بين المدنيين والجيش والأجهزة الأمنية القوية في الجزائر يلوح في الأفق، في وقت تراجعت فيه أسعار النفط والغاز بشكل قد يجبر الحكومة على تخفيض دعم السلع الأساسية الذي أنقذ البلاد عام 2011 من الانزلاق إلى موجة الاحتجاجات التي اندلعت في عدة دول عربية.
ولا يجد الاتحاد الأوروبي في جعبته أي أوراق تمكنه في منطقة شمال أفريقيا من تقديم أي تنازلات على غرار تلك التي قدمها لتركيا من أجل وقف ارتفاع محتمل في أعداد اللاجئين القادمين من شمال أفريقيا.
وأواخر الشهر الماضي تعمقت الأزمة عندما أعلن المغرب قطع اتصالاته مع دول الاتحاد رفضا لقرار المحكمة الأوروبية إلغاء اتفاق التبادل التجاري الحر للمنتجات الزراعية، بين الرباط وبروكسل، بدعوى شموله منتجات إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو.
وتحاول بروكسل احتواء غضب الرباط، التي سعت على مدار شهور لتقريب وجهات النظر بين الأطراف الليبية المتصارعة، عبر الطعن في قرار المحكمة.
وقال باربر “هذه المرحلة تظهر أن عقبات كثيرة تواجه سياسة الاتحاد الأوروبي في شمال أفريقيا لأسباب لا تتصل بالهجرة غير الشرعية، لذلك فإن المقاربة الأوروبية تتطلب نهجا أكثر شمولا مما هي عليه الآن”.
العرب