“27 شهيداً ومئات الجرحى المدنيين، وأحياء شرقي حلب تصعّد مظاهراتها ضد التنظيمات الإرهابية.. والمرتزقة يردون بإطلاق الرصاص الحي”، هكذا عنونت جريدة البعث اليومية التابعة للنظام تقريرها حول الأحداث الأخيرة الدائرة في حلب شمالي البلاد، لتطبق المثل الشعبي “ضربني وبكى سبقني واشتكى”.
فقد استند كاتب المقال في إحصائيته هذه على أقوال وزارة الدفاع الروسية، وكأنها أدرى بما يحدث على أرض سوريا من السوريين أنفسهم، وذكرت الوزارة أن 11 مظاهرة خرجت من الأحياء المحاصرة تنديدا بوجود المسلحين وللمطالبة بخروجهم من حلب، ما دفع المسلحين ـبحسب تعبيرهم ـ لإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين وقتل 27 مدنيا وإصابة المئات بهدف تفريق المظاهرات وقمع مطالب المدنيين.
لا ينفك إعلام النظام عن المراوغة ووضع نفسه موضع السخرية والاستهزاء من خلال تبريره إجرامه بإلقاء اللوم على من يسميهم بالتنظيمات الإرهابية، وكأنه يمرر شريط ذكرياته في بداية الثورة عندما قابل مطالب الشعب بالحرية والكرامة بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع وتسبب بمقتل المئات فضلا عن حملات الاعتقال التي انتهجها في تلك الآونة، ولذلك رسم في مخيلته هذا السيناريو من المسرحية لكن بأبطال مختلفين.
والغريب في سرد الخبر أنه ولأول مرة في سياسة إعلام النظام المتبعة، يصف من يقتل في مناطق المعارضة “بالشهداء” حتى وإن كانوا أطفالا يصفهم بأطفال الإرهابيين، لأن باعتقاده أن جميع من يعيش في تلك المناطق متعاملون مع الإرهاب والمسلحين بحسب وصفهم، حتى وإن كانوا مدنيين لا علاقة لهم بالمعارضة المسلحة، لكنه كالحرباء مستعد لتغيير سياسته بما يتماشى مع مصالحه، ليتحول أولئك الإرهابيين إلى مظلومين ويرغبون بالعودة لحضن الوطن وطرد المسلحين من مناطقهم.
ولعل أول فكرة تراودنا بعد أن اعترف النظام عن طريق إعلامه بوجود مدنيين في حلب المحاصرة، ماذا عن أولئك الذين يقتلون يوميا بحلب بغارات الطيران الحربي والمروحي وبمساندة الحليفة القوية روسيا، أوليسوا مدنيين ومعظمهم أطفال ونساء، وكلمة مدنيين تعني جهة حيادية لا ذنب لها بكافة القوات المتنازعة، أم أن صفة المدنيين تطلق بحسب هواهم ومصالحهم وبحسب الموقف الذي من الممكن أن يكسبهم قوة، إلا أنهم بعيدون كل البعد عن المصداقية وجذب عدد من المؤيدين لصفهم، وأقرب مثال المدنيين الذين يعيشون في حلب الغربية فهم خير شاهد على إجرام النظام، فصوت هدير طائراته وأصوات الانفجارات الناجمة عن رمياتها تسمع صداها في أرجاء منطقتهم.
فعن أي شهداء يتحدثون، وعن أي مظاهرات أخذوا وقتهم في إحصاء عددها يدعون، وماذا عن الصور التي تعرض يوميا وتظهر حجم الإجرام والوحشية التي يتبعها النظام وروسيا وكأنهما في مباراة يتسابقان من يحصد أكبر عدد من الأرواح في كافة الأحياء الشرقية دون استثناء، وبعد هذا كله هل يعقل أن يقتل المحاصرون بعضهم أو حتى هل من الممكن أن يخرجوا بمظاهرات والطائرات لا تكاد تفارق سماءهم، وحري بإعلام النظام أن يجد كذبة جديدة أو حجة مقنعة أكثر ليغطي فضائحهم ويحفظ ماء وجههم الذي تلوث بزيفهم وخداعهم.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد