في الوقت الذي يضج به الإعلام العربي والعالمي، بما تشهده مدينة “مضايا” السورية من تجويع وحصار وإذلال، على كل الصعد. وعلى الرغم من الوثائق التي نشرتها جهات عدة في هذا الصعيد لتشير الى حجم المأساة الانسانية غير المسبوقة جراء حصار النظام السوري وحليفه “حزب الله” اللبناني للمدنية التي تحول أهلها الى عظام مجردة من لحمها.
على الرغم من كل هذا، إلا أن ثمة من إعلاميي نظام الأسد، من يفضّل الرد على تلك المأساة، عبر التشفّي من جثث قتلى المعارضة السورية، والتقاط صور معها، عبر “السيلفي” تعبيرا منه على موالاته لنظام الأسد، الى درجة وضع جثث القتلى في خلفية الصورة، والتباهي بالتقاطها معهم، الى درجة شككت بعض التعليقات من أن يكون “للهياكل العظمية في مضايا” بسبب الحصار والتجويع، أي أثر على الشارع الموالي الذي يلتقط السيلفي مع القتلى ويتباهى بتجميعهم في الخلفية.
فقد قام أحد إعلاميي النظام السوري، وهو شادي حلوة وهو يعمل في فضائية النظام الرسمية، بتجميع جثث بعض قتلى معارضي الأسد، ثم التقاط صورة معهم، زاهياً ومغتراً ومتشفياً، ثم نشر الصورة ووزعها على مواقع التواصل الاجتماعي.
علماً أنه “مذيع” و”مقدم” برامج، ويفترض بأبسط قواعد المهنة، أن لايرتكب جرائم كتلك، خصوصا في الوقت الذي تعاني فيه إحدى مدن بلده، من حصار وتجويع يكاد يحول سكانها الى أشباح، بسبب شدة النحول الناتج من انعدام التغذية.
وكان المذيع الشهير بتجاوز كل قواعد وأخلاقيات العمل الاعلامي، كما ترى كل المصادر العارفة، قد التقط السيلفي، مع بعض الأسرى، من العام الماضي، وايضا في تجاوز لكل القواعد المهنية والأخلاقية. ووضع خلفه بعض الشبان صغيري السن، وعليهم ملامح التعب والارهاق، والتقط صورة لنفسه وكاتبا تعليقات على الصورة كما لو أن من خلفه هم قادة من الجيش الاسبرطي اليوناني، في الوقت الذين يظهرون فيه بائسين فتك بهم مافتك.
وترى مصادر مختلفة، بأن التقاط السيلفي مع القتلى، ليس أكثر من تشفّ، وهو أقرب الى المرض. لأن للجثة، في اللاشعور الجَمْعي، رمزية بالغة مرتبطة بمفهوم الحياة والموت والبعث والخلود. وتتعامل معها مختلف ثقافات العالم بتهيّب ناتج من ذلك التصور عميق الجذور في الحضارة البشرية.
لكن عارفين بالشأن السوري، يعتقدون بأن الطبيعة السياسية لنظام الأسد، هي التي جعلت من تلك “المحرّمات” أمراً مشروعاً في عين أنصاره. خصوصا أن الأسد نفسه كان قد وضع الخط العريض الذي يشرح فيه لأنصاره كيفية التعاطي مع خصومهم وخصومه، عندما أكد أكثر من مرة، وبأكثر من تعبير، أن سوريا هي لمن يقاتل دفاعاً عن نظامه.
وبالتالي، تؤكد المصادر السابقة، ليس من الغريب أن يتجاهل أنصاره مأساة مضايا، الى الدرجة التي تقوم بها وكالة الأنباء الرسمية “سانا” بالتأكيد إن كل مايقال عن مضايا هو “كذب ودجل وتلفيق وتضليل ومؤامرة”، كما نقلت الوكالة في بيان رسمي يعود تاريخه الى الثامن من الجاري.
يشار الى أن موقف الاعلام الرسمي من مأساة مضايا، أعطى الضوء لأنصار النظام للتعامل مع القضية باستخفاف وتشكيك وازدراء. الأمر الذي جعل مذيعاً من ذات المؤسسة الرسمية ينشر صوره مع الجثث وترويجها، في الوقت الذي يقترب فيه بعض سكان مضايا من التحوّل الى.. جثث.
يذكر أن كل المواقع الموالية للنظام السوري، استجابت للخطاب الرسمي المشكك والمزدري لمأساة أهلها، كما فعل المذيع المذكور. فقامت كل الصفحات الموالية تقريبا، بازدراء أهل مضايا والتشكيك بمأساتهم والتعامل مع أجسادهم التي لم يعد يظهر منها إلا العظام، كما لو أنها فرصة إما للانتقام من خصوم الأسد، كما فعل المذيع، أو فرصة للانفصال عن الواقع وعدم الاعتراف بعذاب “الخصم” لطالما كان معارضاً. إذ تكفي صفة المعارض، لأن تحرم صاحبها، بعين النظام وأنصاره، من أي حق من حقوقه، حتى حق عدم التنكيل بالجثث وامتهان كرامتها على مرأى ومسمع من وسائل الاعلام.
العربية نت