غابت عواصم الممانعة عن السمع، لم تعلق صحيفة “تشرين” السورية، التي سُميت تيمنًا بالشهر الذي جرى فيه نصف انتصار عربي رسمي شبه وحيد على العدو الإسرائيلي، على الخطوة الروسية، فيما اختار القائد العام لما تبقى من الجيش العربي السوري، المنشغل بالتحشيد لمعركة حلب، أن يضع رأسه في الرمل أثناء حفل التسلم والتسليم في موسكو بين الصديقين بوتين ونتنياهو، كما فعل والده سنة 1982، حين اكتفى بإعطاء الأمر للوحدات السورية المنتشرة فوق الأراضي اللبنانية بالانسحاب السريع من لبنان، وتجنب أي مواجهة عسكرية مع قوات الاحتلال الإسرائيلي التي قامت بغزوه، إلا أن تمردًا على الأوامر نفذه ضباط في كتيبة دبابات تابعة للجيش السوري مرابطة في بلدة السلطان يعقوب في منطقة البقاع الغربي، حيث خاضت هذه الكتيبة معركة استطاعت خلالها وقف التقدم الإسرائيلي واغتنام عدة دبابات، وفي الذاكرة الشفوية عن تلك المعركة، فإن الضباط تعرضوا لمحاكمة عسكرية جراء مخالفتهم أوامر القيادة بالانسحاب دون قتال، كما تروي شخصيات فلسطينية أن ضابطًا سوريًا انشقّ عن الجيش خوفًا من العقوبة التي قد يتعرض لها، جراء عصيانه لأوامر دمشق، والتحق بالمقاومة الفلسطينية، وأن قيادة منظمة التحرير حافظت عليه، ونقلته لاحقًا إلى خارج لبنان.
الدبابة الهدية، هي إجراء سياسي عالي الحساسية، يتضمن رسالة جيو – استراتيجية مستقبلية، ملزمة للخيارات السياسية التي سيتبناها أي حاكم مقيم في دمشق تحت الحماية الروسية، فإعادة دبابة معركة السلطان يعقوب إلى الإسرائيليين، تسدل الستار نهائيًا على تهيؤات بعض العرب، وخصوصًا ما يُسمى محور الممانعة، من أن عودة روسيا إلى الشرق الأوسط هي عودة للتوازن الدولي في الصراع الإقليمي، وخيبة أمل للذين علقوا الآمال على أن موسكو ليست كواشنطن المنحازة بالكامل لإسرائيل، إلا أن القسوة في التصرف الروسي تكمن في قرار القفز فوق الوقائع والأحداث، التي شكلت جزءًا من التاريخ السوفياتي العربي المشترك، والاستخفاف بالتضحيات السورية الفلسطينية اللبنانية في الصراع مع إسرائيل، فهذه الخطوة هي فعل فيه الكثير من الإهانة، يستهدف النيل من المحطات التاريخية للنضال العربي المشترك، وطي هذه الصفحة نهائيًا من تاريخ سوريا، ونقلها خارج دائرة صراعات المنطقة، إلى سياقات جديدة، ستعتمد في إعادة التأسيس للدولة السورية الجديدة أو ما سيتبقى من سوريا التاريخية.
حوّل الانخراط العسكري الروسي المباشر في الحرب السورية روسيا إلى دولة مجاورة لإسرائيل التي قام رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو بزيارة موسكو 4 مرات في سنة واحدة، بهدف تعزيز التنسيق الأمني والعسكري في سوريا، هذا التنسيق الذي ساعد على حماية نظام الأسد من السقوط، كما كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أنه خلال زيارة نتنياهو الأخيرة، تم الاتفاق بين الجانبين على إجراء مناورات عسكرية في البحر الأبيض المتوسط قبالة السواحل السورية واللبنانية، حيث ستنطلق القوات الروسية في هذه المناورات من قواعدها في سوريا، ما يمكن اعتباره مشاركة ضمنية لنظام الأسد في المناورة التي تستخدم فيها قواعده وتجري فوق أراضيه، وسوف تعتبر سوريا أول بلد عربي يوافق على هكذا إجراء، الذي يُعتبر حدثًا تاريخيًا له دلالاته، حيث لم يعد مستبعدًا انعكاس هذا الانسجام الروسي – الإسرائيلي على سياسات دمشق ومواقفها، وإمكانية انخراطها مستقبلاً في عملية سلام ترعاها روسيا.
شبّه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صراع روسيا مع الإرهاب بصراع إسرائيل معه، كأنهما متفقتان على تعريف موحد للإرهاب، وهذا ما قد يفسّر تجنب موسكو التعليق على الضربات التي تنفذها تل أبيب داخل الأراضي السورية ضد أهداف لـ”حزب الله”، حيث وصل عددها المعلن حتى الآن إلى ثلاث عشرة ضربة، كما تشدد موسكو على ضرورة التزام طهران وميليشياتها المقاتلة في سوريا بالخطوط الحمراء التي وضعتها بالتنسيق مع تل أبيب، والتي حرمت على “حزب الله” الرد على الاعتداءات الإسرائيلية عليه، أو الاقتراب من الحدود الجنوبية لسوريا، فقواعد الاشتباك التي أرساها التدخل الروسي العسكري المباشر، هي نتيجة لعوامل الانسجام الكامل بين المصالح الروسية والإسرائيلية في سوريا، الذي بدأت طهران تتعايش معه، كونه يضمن لها حصتها بما تبقى من الأسد، كموطئ قدم لها في سوريا، حيث بات طريقها إلى القدس يمر وينتهي في حلب.
الشرق الأوسط