وجهت الولايات المتحدة رسالة هامة إلى القوى المختلفة في سوريا بإسقاطها مقاتلة تابعة للنظام قصفت قوات حزب الاتحاد الديمقراطي قبل أيام. وبقدر ما تهم هذه الرسالة، التي تعد بمثابة “تهديد” أو “إنذار” أو “تحذير”، روسيا، حامية النظام السوري، تهم بالدرجة نفسها تركيا التي تقاتل حزب الاتحاد الديمقراطي.
بطبيعة جاء رد الفعل الأول من جانب روسيا على إسقاط المقاتلة. أعلن الكرملين أن الولايات المتحدة قطعت تبادل المعلومات ميدانيًّا، وأكد أنه “سيعتبر كل الفعاليات الجارية في غرب الفرات هدف عسكري له”.
من جانبه، أعلن رئيس هيئة الأركان الأمريكي أنهم عازمون على مواصلة العلاقات الميدانية مع روسيا كما في السابق، وأكد أن الطرف الذي يجب أن يقلق ليس روسيا. السعي الأمريكي لتهدئة خاطر موسكو ناجم عن أن المستهدف من إسقاط مقاتلة النظام السوري ليس روسيا كما هو معتقد، وإنما تركيا.
لا معنى لأن نتصرف وكأن الأمر لا يعنينا. فمن يهدد حزب الاتحاد الديمقراطي الذي تحميه الولايات المتحدة، ومن يقول “قد نأتيهم فجأة في الليل”، ومن أجاب بمقولة “سنتدخل إذا اقتضى الأمر” خلال قمة أردوغان- ترامب، ليس إلا تركيا.
كما أن الذراع السوري لحزب العمال الكردستاني، حزب الاتحاد الديمقراطي/ وحدات حماية الشعب لديه مشكلة مع تركيا أكثر من النظام السوري وروسيا. فالنظام يعمل بالتنسيق مع الحزب منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب في سوريا. وتتمتع روسيا بعلاقات طيبة معه. ثم ألم يقل بوتين إن روسيا تحاور حزب الاتحاد الديمقراطي غير أنها لا تزوده – حاليًّا- بالسلاح؟
بإسقاطها مقاتلة النظام توجه الولايات المتحدة إلى القوى في الميدان رسالة مفادها “سأقطع يد من يمس حزب الاتحاد الديمقراطي”. وهذه الرسالة بمثابة إنذار لتركيا، واختبار لها وجس نبضها في الوقت ذاته.
إذا رضخت تركيا لهذه التهديدات فسوف تضع الولايات المتحدة أمامها المزيد من المطالب. تخطط واشنطن إلى قطع الطريق أمام التدخل في سوريا، وتعتزم إضعاف سيطرة أنقرة على خط اعزاز- جرابلس، التي تحققت بفضل عملية درع الفرات.
يبدو بكل وضوح أن هذا هو الهدف الميداني الذي وضعته الولايات المتحدة على المدى القصير. وبينما يقترب المخطط السياسي لوزارة الدفاع الأمريكية في سوريا من نهايته، تسعى الوزارة لإكساب حزب الاتحاد الديمقراطي حصانة في المنطقة.
وفي مواجهة الحملات العدائية الأمريكية، ينبغي على تركيا الإبقاء على فرصها للتدخل في سوريا. ويعتبر قرار روسيا بحظر غربي الفرات على قوات سوريا الديمقراطية، بمثابة فرصة هامة بالنسبة لأنقرة. ويمكنها أن تقوم بحملات مشتركة مع روسيا وإيران ضد الولايات المتحدة.
علينا ألا ننسى أن الولايات المتحدة تختبر عزم تركيا أكثر مما تجس نبض روسيا. لكن ما لم تضعه واشنطن في حسبانها، هو الموقف الحازم للرئيس التركي رجب طيب أردوغان. لا يمكن لأنقرة أن تقف مكتوفة اليدين إزاء أي تطور بهدد وجود البلاد، وهذا ما سيفهمه الأمريكان مع الوقت.
ترك برس