“إدماج” المكون السوري والجدل العاصف: صمت على جبهة الإخوان وتحذيرات من تحول الأردنيين إلى “أقلية” في مملكتهم

يصل الجدل حول ملف اللجوء السوري في الأردن إلى مستويات غير مسبوقة ليس في سياق التقدم الكبير في نغمة توطين السوريين فقط ولكن في سياق ردود الفعل المتباينة التي تتقافز بين زاويتين حرجتين جلست في الاولى متطلبات واحتياجات الدولة الخارجية وفي الثانية نقاشات وردود أفعال المجتمع نفسه وبقية المكونات.
في هذا الإطار يصعد الجدل السوري في الحالة الاجتماعية والنخبوية الأردنية إلى مستويات غير مسبوقة خصوصا بعد ردة الفعل التي ناقشت ما تسرب من لقاء شهير كشفت النقاب عنه «القدس العربي» في وقت سابق بين رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة ونخبة من المثقفين والفنانين.
في ذلك اللقاء لم يتحدث الطراونة خلافا لانطباعات عشرات النشطاء عن المكون السوري في الأردن بقدر ما تحدث عن لجوء طويل الأمد فيما فهم زواره وضيوفه من المثقفين والفنانين ان الدولة الأردنية في طريقها لتحويل اللجوء السوري إلى مكون اجتماعي.
مجمل هذه المؤشرات برزت عشية الرهان الأردني على مؤتمر لندن للمانحين خصوصا بعدما سأل سفراء دول كبرى عدة في عمان عن سر تمسك مسؤولين أردنيين بضرورة تخصيص نحو 7 مليارات دولار على الأقل لدعم استضافة اللاجئين في الأردن.
لماذا وعلى أي اساس ان ندفع كدول مانحة؟.. هذا السؤال طرحه أربعة سفراء غربيين على الأقل في شهر واحد ومناسبات متعددة بينهم سفيرة واشنطن المثيرة للجدل نانسي وليز وسفراء بريطانيا والاتحاد الاوروبي وهولندا.
الجواب الأردني على هذا السؤال بسيط ونافذ ومصنف إلى قسمين.. تدفعون مالا لأنكم طلبتم من الأردن فتح الحدود أمام اللجوء السوري وتعهدتم بالمساعدة.
وفي القسم الثاني من الجواب اشارات واضحة إلى موقف رسمي أردني متغير يرفض الاستمرار فيما يسمى بخديعة اللجوء والتمويل.
يعتقد وعلى نطاق واسع بين المسؤولين الأردنيين ان المجتمع الدولي ضلل الأردن ولم يقدم له ما ينبغي بخصوص اللاجئين السوريين وأن الأمر أشبه بالخديعة وهي الصيغة التي لمحت لها أقلام بارزة في الصحافة الأردنية من بينها الدكتور فهد الفانك المتخصص بالاقتصاد والذي سبق ان اعترض على سياسة الباب المفتوح أمام اللجوء السوري.
الفكرتان تتصارعان الآن ومسرح الصراع مؤتمر لندن للمانحين.. الأولى فكرة أردنية قوامها ان المساعدات المتعلقة باللاجئين السوريين ينبغي ان تقفز عن الجانب الإغاثي والإنساني في المسألة وتطال مضمون ومنطوق الدور الأردني الأمني في الاستقرار الاقليمي.
الفكرة الثانية غربية وتتحدث عن الاكتفاء بمساعدات تضمن الإغاثة بمعنى ضمان تدفق مالي يتكفل بالغذاء والدواء والمسكن والمعيشة وبدرجة أقل التعليم على ان ينظر لمساعدة الأردن نفسه في حزمة أخرى بعيدا عن ملف اللاجئين وهو ما لا تريده عمان في كل الأحوال.
مجتمع الدبلوماسيين الغربيين يتحدث اليوم عن عملية ذكية في توجيه المساعدة المالية تتضمن امتيازات في التجارة الدولية واقامة مناطق صناعية مؤهلة شريطة الاعتماد على العمالة السورية الماهرة وبصورة تضرب عصفورين بحجر واحد بحيث يدمج اللاجئون ويجدون فرصة عمل وتتنشط الدورة الاقتصادية الأردنية.
مثل هذا النمط في التفكير الغربي لمسه السياسي الأردني المخضرم طاهر المصري من قبل المعنيين من المسؤولين الدبلوماسيين الغربيين وعلى هامش نقاش مع «القدس العربي» وجد المصري ان مثل هذه الأفكار ذات البعد الاستثماري قد تكون جيدة لكنها لا تكفي في كل الأحوال في تمكين الأردن من القيام بواجباته المتعلقة باللجوء السوري.
الخلاف متواصل على هذا الأساس ووزير الخارجية الأردني ناصر جودة يتجول في أروقة مجتمع المانحين على أساس تحسين فرص بلاده في استمطار المساعدات على الدور السياسي والأمني والإنساني معا وليس على أساس مفهوم الاغاثة واللجوء فقط.
هذه الخلافات هي التي دفعت عاهل الأردن الثلاثاء الماضي لإطلاق صرخة شهيرة يعترض فيها على الدول المانحة، بل ويحذرها من تجاهل احتياجات بلاده.
لكن أغلبية المسؤولين في الحلقات الإدارية الأردنية يعرفون الآن أن ادماج اللاجئين السوريين في ظل قراءات وتوقعات بقائهم طويل الأمد أصبح شرطا موضوعيا ودائما ليس فقط لإدامة المساعدات المالية ولكن أيضا وهذا الأهم لإدامة وجود الأردن على طاولة المفاوضات عندما يتعلق الأمر بملامح التسوية الكبرى للصراع السوري.
في كل مجالسات الأردنيين يبرز الهم الأساسي والنقاش التحذيري بسبب مشاريع الادماج المتوقعة للاجئين السوريين في المملكة.
في خريطة ردود الأفعال ثمة ملاحظات بارزة، فحزب جبهة العمل الإسلامي الممثل للإخوان المسلمين وأكبر أحزاب المعارضة في البلاد لم يقل اطلاقا كلمة أو موقفا من أي نوع بخصوص قصة الادماج السوري.
أحزاب الوسط أيضا مشغولة باليومي وبالانتخابات المقبلة ولم يصدر عنها مواقف يعتد بها في الوقت الذي انحسر فيه نشاط البرلمانيين بنقطة التحذير من تحويل الأردنيين إلى أقلية في بلادهم بعد وجود مكونات عراقية ومصرية وسورية بموجب نتائج الاحصاء السكاني المعلنة مؤخرا وهي الدعوة التي تبناها تحديدا النائب النشط بسام البطوش.
في مفردات سياسي خبير مثل الدكتور ممدوح العبادي يدفع الأردنيون اليوم ثمن خطأ سياسي لا يمكن اغفاله تمثل أصلا بفتح الأبواب أمام اللجوء السوري وهو لجوء يعتبره فهد الفانك بدوافع اقتصادية وليست أمنية في الوقت الذي تنادى فيه وطنيون أردنيون عبر وسائط التواصل الاجتماعي للبحث في مؤرقات هذا الملف الذي أصبح شائكا جدا.

القدس العربي