– لم يسفر اجتماع فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان وحسن روحاني على مؤشرات تخص إنهاء أزمة محافظة إدلب السورية وبقي الصراع مفتوحا بين مسلحي المعارضة وقوات.
وباتت إدلب مهددة بسيناريوهات مختلفة ستفرضها التطورات الميدانية ونتائج المعارك المسلحة بين قوات النظام السوري وعناصر هيئة تحرير الشام وسينتهي بها الحال إما إلى الحكم الإسلامي المتشدد أو إلى الخضوع لقبضة النظام.
التغير الاستراتيجي
ذكرت مجلة فروين بوليسي، في تحليل أعدته مديرة البحث والتطوير في برنامج التعليم من أجل السلام في العراق إليزابيث تسوركوف، أن هيئة تحرير الشام -وهي الجماعة الإسلامية المتطرفة التي تسيطر على إدلب- أبدت في الأشهر الأخيرة رغبة متزايدة في التوصل إلى تسوية ترضي جميع الأطراف خاصة بعد تضييق الخناق عليها من طرف قوات الرئيس السوري بشار الأسد.
وبعد أن أدركت هيئة تحرير الشام انهيار تنظيم الدولة الإسلامية المتشدد، غيّرت سياسة استقطاب المقاتلين وبدأت في اتخاذ نهج أكثر تساهلا في استقطاب مجندين وتغيّرت طريقة تكوين المجموعة وذلك في وقت حققت فيه قوات الرئيس السوري بشار الأسد مدعومة بالقوات الروسية، انتصارات على حسابها.
وضمت هيئة تحرير الشام الآلاف من المقاتلين في صفوفها من الفصائل المهزومة ورحبت بالمقاتلين الأكثر اعتدالا الذين نزحوا من الجنوب، وهو ما استغربه بعض المجندين الجدد.
واتضح التغير الاستراتيجي لهيئة تحرير الشام في عملية التجنيد في تصريح مازن، وهو أحد المقاتلين المستقطبين ومن المدخنين الذين يخففون من كثافة لحيتهم، بقوله إنه كان يظن أن الجماعة تشبه تنظيم الدولة الإسلامية، لا يدخن منهم أحد ويرتدون الزي الإسلامي لكنه تيقّن في ما بعد أنه مخطئ.
ورغم انفتاحها على المعتدلين وضمها مقاتلين غير متطرفين، يرى سكان إدلب، الواقعة شمال غرب سوريا، أن سلوك هيئة تحرير الشام الاستبدادي لم يتغير وواصل جهاز أمنها الداخلي اختطاف المعارضين وإعدامهم من حين لآخر، ولم تتوقف عن ارتكاب جرائم التعذيب في سجونها.
واعتبر سليمان -وهو صحافي مقيم في إدلب- خلال مقابلة أجراها مع مجلة فورين بوليسي أن كوادر الأمن الداخلي في هيئة تحرير الشام الأكثر تطرفا ويعتقلون البعض على أساس أقوال أسندت إليه كذبا وهو ما أكده اعتراف أحد المقاتلين التابعين للجماعة، ويدعى عبدالله، بكون أفراد الأمن الداخلي مكروهين.
وأمام هذا الوضع ومع تزايد الضربات العسكرية لقوات النظام السوري، يواجه سكان إدلب البالغ عددهم 3 ملايين نسمة مستقبلين محتملين، أولهما استيلاء النظام التدريجي على المعقل أو صفقة طويلة الأجل لوقف التصعيد لضمان حماية المنطقة الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، وسيؤدي الأول إلى موت الكثيرين أو سجنهم على يد قوات الأسد التي تريد الثأر فيما ستفرض الحالة الثانية نوعا جديدا من القمع الدامي.
في الأثناء، تتنازع القوى الدولية المجاورة حول مستقبلهم، فقد وافق بوتين وأردوغان وروحاني على محاولة “لتهدئة التوترات” في إدلب، رغم أنهم يدعمون مجموعات مختلفة عن بعضها البعض، وتتحرك قوات الأسد المدعومة من روسيا، مخترقة وقف إطلاق النار الذي أعلن في الربيع الماضي في سوتشي بروسيا.
ويتخوف سكان إدلب من سيطرة النظام على المنطقة ولاسيما أن الكثير منهم نزحوا إلى إدلب بعد أن شنت قوات النظام هجمات سابقة على الجيوب التي يسيطر عليها المتمردون، ويصنف نظام الأسد أولئك النازحين الذين رفضوا الاستسلام له “إرهابيين” و”خونة”.
ويتخوّف سكان المناطق التي استعادها النظام من عودة “دولة بوليسية دوانية تنفذ عمليات اعتقال يوميا وتجبر السكان على عادة التبليغ عن بعضهم البعض”.
مستقبل مرعب
السكان هم الضحايا
تشير مجلة فروين بوليسي إلى بروز بوادر ومؤشرات مستقبل مخيف في إدلب خاصة بعد أن شنت القوات الجوية الروسية والميليشيات التي تدربها مع الجيش السوري في أواخر شهر أبريل، هجوما جديدا على إدلب وضواحيها.
وتسعى تركيا إلى تجنب سيناريو هروب سكان إدلب في اتجاهها عبر الحدود وحتى نحو منطقة شمال حلب الخاضعة للسيطرة التركية المباشرة علما وأن المجالس المحلية المدعومة من تركيا في تلك المناطق ترفض تسجيل النازحين من إدلب، مما يجعلهم مقيمين غير قانونيين في بلدهم في وقت لا يتردد فيه حرس الحدود التركي في إطلاق النار وقتل اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى تركيا.
وبدورها ترغب روسيا -من خلال وقف التصعيد في إدلب- في تحقيق مصالحها مع تركيا والحفاظ على علاقتها معها مزدهرة كما أنها تعتبر الاعتداء على إدلب سيتسبب في تفريق الآلاف من الجهاديين نحو جميع أنحاء سوريا، بعد أن تم احتواؤهم في إدلب.
واستجابت هيئة تحرير الشام في إدلب للضغوطات التركية التي تفرض عليها الاعتدال، ودعت الصحافيين والباحثين الأجانب إلى زيارة إدلب تحت حمايتها، وسمحت لتركيا بإنشاء مراكز مراقبة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، على الرغم من معارضة المتشددين في صفوفها.
وبرّر أبوإيمان -وهو من قادة هيئة تحرير الشام- في حديثه لمجلة فورين بوليسي قبولَ دخول الأتراك إلى الأراضي السورية برغبتهم في حماية المنطقة من القصف الذي يستهدف سلامة السكان.
وبرزت انقسامات في هيئة تحرير الشام بشأن تعاملها وخضوعها لضغوطات تركيا، ويعارض المتشددون المنتمون إلى هيئة تحرير الشام انصياع قادة الجماعة للأوامر التركية. ويرى مصطفى -وهو مقاتل في فصيل مسلح تابع لحزب التحرير- أن جماعة هيئة تحرير الشام اغتالت البعض من المنتمين إلى الحزب واعتقلت بعضهم الآخر لمعارضتهم العمل مع أطراف خارجية.
وقال مصطفى إن “قادة هيئة تحرير الشام لا يتخذون القرارات بشكل مستقل وهم مقيدون، إذا أمر القائد بالانسحاب فسيفعلون ذلك، لإرضاء الأتراك”. ووصف أعضاء هيئة تحرير الشام بالمنافقين والخونة الذين يخضعون لأوامر تركية معلنا نيته الانسحاب من المعركة التي ستخوضها ضد قوات النظام.
ويبدو أن تركيا ستستفيد من التفتت داخل قوات المتمردين للضغط عليهم للموافقة على شروط وقف إطلاق النار التي رفضوها سابقا، لتتمكن من إعادة فتح الطرق المؤدية إلى حلب واللاذقية، وتوسيع دورها والفصائل التي تدعمها في المنطقة وستُجبر هيئة تحرير الشام وغيرها من الفصائل الأخرى على ضمان عدم انتهاك الجماعات المتطرفة لوقف إطلاق النار.
نقلا عن القدس العربي