هددت الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية بالانسحاب من مباحثات جنيف 3 بعد يوم واحد من وصولها مدينة جنيف السويسرية ولقائها مع المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا من أجل وضع حد للحرب السورية المستمرة منذ خمس سنوات. حيث صرح المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات سالم المسلط في مؤتمر صحفي اليوم الأحد على ضرورة تطبيق النظام السوري النقاط الثلاث التي تضمنها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 حتى توافق المعارضة على المشاركة في المحادثات، وأضاف أن وفد المعارضة جاء إلى جنيف للمشاركة في عملية سياسية تضع حداً للمأساة في سوريا.
ودعا المسلط المجتمع الدولي إلى التدخل لوقف ما سماها الاعتداءات والجرائم الروسية في سوريا، مشيرا إلى أن ما يتقلص في بلاده ليس الإرهاب بل السوريون والأسر السورية.
وتشدد الهيئة العليا للمفاوضات المنبثقة عن اجتماع الرياض في 10 من ديسمبر/كانون الثاني الماضي على ضرورة قيام الأمم المتحدة والأطراف الدولية بالضغط على النظام السوري لتحسين الوضع الإنساني في البلاد وإدخال المساعدات للمناطق المحاصرة ووقف قصف المدنيين قبل الشروع في أي عملية تفاوضية مع النظام السوري، بيد أن الأمم المتحدة اعترفت بعدم قدرتها على اتخاذ خطوات ملموسة تجبر النظام السوري على اتخاذ مثل هكذا خطوات، وشددت الأمم المتحدة في الوقت نفسه على ضرورة البدء بمحادثات غير مباشرة بين وفدي النظام والمعارضة وإلا منيت المباحثات بالفشل قبل بدئها.
وكان المبعوث الدولي ستيفان دي مستورا قد التقى أول أمس الجمعة مع رئيس وفد النظام بشار الجعفري وتباحث معه قضية وقف إطلاق النار بين الطرفين، كما اتهم الجعفري وفد المعارضة بالمماطلة وإفشال المحادثات وارتباطهم بالجماعات التي وصفها ب ” الإرهابية”. تحاول الأمم المتحدة إيجاد حل للصراع الدامي الذي أودى بحياة أكثر من 250 ألف مدني سوري، وذلك عبر محاولة التوصل لحل سياسي وفق قرار الأمم المتحدة 2254 الذي يدعو لإطلاق مفاوضات سلام تفضي لوقف إطلاق النار في البلاد وتشكيل هيئة انتقالية تقوم بإعداد دستور جديد وإجراء انتخابات رئاسية خلال 18 شهراً يقرر خلالها الشعب السوري مصيره، وهو أمر يصطدم بعقبات كبيرة على الأرض خصوصاً بعد التدخل الروسي الأخير الذي جاء لدعم نظام الأسد بشكل واضح وقلب الطاولة على ما تبقى من المعارضة السورية وجرها بالقوة إلى الحل الروسي الذي تحاول فرضه على الأرض قبل فرضه في الأروقة الدولية.
وسعى النظام وحليفته روسيا بادئ الأمر للتأثير على المجتمع الدولي والأمم المتحدة من خلال التأكيد على أن المفاوضات في جنيف ليس مفاوضات بقدر ما هي فرصة للحوار بين الطرفين من أجل تشكيل “حكومة موسعة” بين النظام والمعارضة من أجل التصدي لـ “الإرهاب”، وهو ما رفضته الهيئة العليا للمفاوضات وطالبت بضمانات دولية حقيقية قبل التوجه لجنيف. اللافت في هذا المؤتمر عدم وضوح جدول الأعمال، فكل طرف يريد تفسير المفاوضات حسب رأيه، مع العلم أن الوضع على الأرض لم يتغير أبداً منذ استصدار القرار الدولي الذي دعا لوقف إطلاق النار في الأراضي السورية باستثناء المناطق الخاضعة لتنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة وكذلك نص القرار على وقف قصف المدنيين، لكن الطيران الروسي استمر في ارتكاب المجازر المروعة بحق المدنيين لا سيما في مناطق إدلب وحلب واللاذقية كان آخرها قصف مخيم للنازحين في ريف اللاذقية الشمالي بالقرب من الحدود السورية التركية يوم أمس وهو ما يعد انتهاكاً متكرراً لالتزامات موسكو الدولية. المشكلة الأخرى التي تواجه المؤتمر هو تحديد قائمة التنظيمات الإرهابية، فمن جهة تعتبر روسيا أن كل فصيل عسكري يقف في وجه النظام إرهابياً، ومن جهة أخرى تطالب بإشراك حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي بزعامة صالح مسلم في المفاوضات وهو أمر استنكرته تركيا بشدة، لكن ديمستورا حسم الجدل بعدم دعوته للحزب وكذلك بالتأكيد على أن تصنيف المنظمات الإرهابية من اختصاص مجلس الأمن الدولي.
ما يتوقعه الكثير من المحللين والمراقبين هو فشل المؤتمر بسبب عدم توافر إرادة دولية لإنهاء النزاع بسبب التعنت الروسي والتخاذل الأمريكي الذي أدى للوصول لهذه النقطة الكارثية، حيث أن المؤتمرات السابقة من جنيف 1 إلى جنيف2 وصولاً لمؤتمر فيينا وقرار مجلس الأمن 2254 لم تكن إلا محاولات لإعطاء الضوء الأخضر للنظام للإمعان في قتل وحصار وتجويع الشعب السوري، ومحاولة لتمميع القضية السورية وتحويلها من قضية شعب يتعرض للإبادة إلى قضية محاربة الإرهاب المتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية، وما التفاهمات بين لافروف وكيري إلا دليل على عدم رغبة هذه القوى بعدم حل القضية وحرفها عن مسارها بشكل نهائي. تدرك المعارضة السورية السياسية والعسكرية أنها تمر بأخطر مرحلة لهذا الصراع، خصوصاً بعد الانتكاسات العسكرية الأخيرة في درعا واللاذقية، والتي تمت بتغطية روسية وبمشاركة عسكرية إيرانية واسعة واضمحلال الدعم العسكري واللوجستي من قبل الدول الداعمة للمعارضة لا سيما تركيا وكذلك السعودية التي تواجه أزمات إقليمية واقتصادية كبيرة أثرت على تراجع موقفها الداعم، وقرار المشاركة في المؤتمر جاء بضغط من وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، الذي أقر بصعوبة الوضع وبضرورة المشاركة رغم الوضع العسكري المتدهور على الأرض والذي أضعف موقف المعارضة.
في نهاية المطاف ستكون المباحثات أو المفاوضات أياً كانت التسمية محاولة عبثية لا أكثر لإعادة تسويق وإنتاج النظام السوري كممثل للشعب السوري وحليفته روسيا كقوة عظمى منافسة للولايات المتحدة بعد تراجع الدور الأمريكي في العالم عموماً ومنطقة الشرق الأوسط خصوصاً في عهد الرئيس أوباما، وفرض التسوية السياسية على المعارضة وفق التفاهمات الدولية وتوجيه الأنظار لمحاربة الإرهاب والتطرف، دون إعطاء اعتبار للدماء التي أزهقت والملايين الذين فروا من البلاد وكذلك المعتقلين الذين يرزحون في سجون الأسد وآلاف المدنيين المحاصرين الذين يتعرضون للمجاعة في القرن الحادي والعشرين، فأي عار هذا الذي وصلنا إليه في ظل العجز الدولي عن إنهاء مأساة الشعب السوري
. عاصم الإدلبي