قداس من أجل الفوهرر!
حين يبدو ادولف هتلر قديساً أمام دونالد ترامب…
ليس دفاعاً عن هيستيريا القوة (والثأر)، وليس دفاعاً عن الهولوكوست. أيضاً، ليس دفاعاً عن لوثة الدم الأزرق.
ذات يوم، صرخ الكاتب الألماني هنريتش بول «أين أنت يا آدم؟». الآن لا ندري الى أين يمضي بنا الاله الأميركي. لا يسعنا سوى أن نصرخ «أين أنت يا آدم؟». أبونا، وكما تروي النصوص، هبط من السماء الى الأرض من أجل امرأة. بالأحرى من أجل خطيئة رائعة وخلاقة.
نحن كبشر، كعرب، الى أين نهبط من أجل امبراطورية لا يقودها سوى المجانين، والقتلة، الا في حالات استثنائية، من توماس جيفرسون الى وودرو ويلسون مروراً بأبراهام لنكولن؟
بول، الحائز جائزة نوبل في الآداب، لم يدافع عن زعيم الرايخ الثالث. قال ان تاريخ القارة العجوز هو تاريخ الذئاب. الشروط، شروط الاستسلام، التي فرضت على بلاده، غداة الحرب العالمية الأولى، لا تضعها حتى الذئاب. سأل… من صنع أدولف هتلر؟
لاحظ أن التفاعلات الفلسفية، والجيوسياسية، والاقتصادية، وحتى التكنولوجية، التي ظهرت في القرن التاسع عشر، هي التي أفضت، جدلياً، الى الحرب. في هذه الحال، لماذا يلاحق ذئب واحد دون سائر الذئاب؟
قال… هذه ألمانيا أيها السادة. انها مسقط ريتشارد فاغنر، وجوهان فولغانغ غوته، ولودفيغ فان بيتهوفن، وايمانويل كانط، وفريدريك هيغل، وكارل ماركس. هل من الممكن التعامل معها كما كان يتعامل القادة مع الأميرات الأسيرات؟ الاغتصاب أمام الملأ…
ثمة رجل في البيت الأبيض، ويغتصب الكرة الأرضية. التعاطي مع الدول هنا كما التعاطي مع بنات الهوى على أرصفة لاس فيغاس. الدعارة السياسية، والاستراتيجية، أو «الموت جوعاً تحت أقدامنا».
كل أبــاطرة الـرومان، كل قادة المغول والفايكينغ، كل سلاطين بني عثمان لم يفعلوا ما يفعله دونالد ترامب. اسرائيل كل شيء. العرب لا شيء. الآخرون لا شيء.
عرب؟ حين كان الرئيس الأميركي يهدد بقطع المعونات عن الدول التي تصوّت لعروبة القدس، كان خادم الحرمين الشريفين يتصل به، شاكياً ومستغيثاً من الصاروخ «الحوثي الايراني»، دون أن يرف له جفن لآلاف الصواريخ التي تسقط حتى على قاعات العزاء وعلى حفلات الزفاف في اليمن.
المثير هنا، الرائع هنا، أن دونالد ترامب وضع الحلفاء العرب أمام الحائط. هل تستطيع المملكة التي تطرح نفسها قائدة الدول الاسلامية (في وجه كل ما هو الأميركي والاسرائيلي في المنطقة) ألاّ تصوّت الى جانب الأكثرية في الجمعية العامة للأمم المتحدة؟
واشنطن ستقطع المساعدات (ذلك الفتات الذي يثير الخجل) عن مصر، وعن دول عربية أخرى. ولكن هل ستأمر أساطيلها التي تحمي بعض العروش، بل كل العروش، في دنيا العرب، بالعودة الى قواعدها أم أن هذه الأساطيل بنيت أساساً لحماية العروش التي وضعت كل ثروات العرب، كل أزمنة العرب، بتصرف الكونسورتيوم الصناعي ـ العسكري الذي حذّر دوايت أيزنهاور، وهو بطل النورماندي، من أهواله على الضميرالسياسي في الولايات المتحدة.
ذروة النذالة السياسية. على أبواب نيويورك ترتفع شعلة الحرية، وبنيامين فرانكلين وصف الكونغرس (وقبل أن يتحول الى هيكل سليمان) بالهيكل المقدس لأنه هيكل الديمقراطية. هكذا ارتدت نيكي هايلي وجه دراكولا، وهي تهدد بـ«تسجيل» أسماء الدول التي تخرج، ولو شكلاً، ولو فولكلورياً، من القاعة الأميركية، من الزنزانة الأميركية.
في تلك اللحظة، بدت الكرة الأرضية على شاكلة الحظيرة التي توضع فيها الأبقار داخل الأسوار المكهربة. ماذا كان يعني تهديد ترامب، ومندوبته لدى الأمم المتحدة، سوى النظر الى العالم على أنه حظيرة للمواشي؟
بات واضحاً أن الله لا يكترث لا لصلواتنا، ولا لأدعيتنا، والا لما ابتلينا بأنفسنا قبل أن نبتلى بحكامنا. اذاً، لنصرخ كما صرخ هنريتش بول «أين أنت يا آدم؟»
لا أحد يصغي إلينا لا في السماء، ولا في الأرض. هل من مكان ثالث؟
الديار