يمتنع العالم عن جرّ النظام الأسدي إلى محكمة الجنايات الدولية، أو أية محكمة دولية أخرى، على الرغم من تقارير هيئات ومنظمات تابعة للأمم المتحدة ومؤسسات دولية أخرى، تتهمه بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، يؤكد وقوعها ما تعرّض شعب سورية له من عمليات إبادةٍ لم يتصوّر أحد أنه يمكن لمخلوق سويّ، أو حتى لحاكم مافياوي، القيام بها، مهما كان مجرماً ومعادياً للبشر.
بالحصانة التي يمنحها العالم للأسد، صار من حقّ كل سوريٍّ أن يشعر بقدرٍ من الظلم والغضب، يحوّله إلى راغبٍ في الانتقام من عالمٍ سكت على قتله ومحاصرته وتجويعه وتعذيبه واغتصابه وتشريده وتهجيره، ولم يفعل أي شيء على الإطلاق لحمايته، أو ليقول للمجرم: كفى، أنت، بقتلك شعباً يُطالبك سلمياً بحريته، تنتهك حقنا نحن أيضاً في الحرية، وتدوس أرواحنا وتمتهن كرامتنا وتهدّد وجودنا، وتخرج على جميع القوانين والأعراف التي نظمت، وأنسنت، علاقات البشر على امتداد تاريخهم. ويُذكر للسوريين أنهم، على الرغم من فظاعة ما يحدث لهم، لا يقومون بأي شيء يتّسم بالعداء لعالمهم الظالم الذي بلغ حدّاً من الانحطاط الأخلاقي والسياسي، لا يخجل معه من ادّعاء صداقتهم، بينما يستمتع، منذ خمسة أعوام، بالفرجة عليهم، وهم يذبحون، كباراً وصغاراً، من الوريد إلى الوريد.
يشعر السوريون بالقهر، ويدينون مواقف صارت تفخر بعدائها لهم، كمواقف روسيا التي طالما كانوا تاريخياً أصدقاء تقليديين لها، ولعبوا دوراً رئيساً في دخولها إلى المنطقة العربية أوائل خمسينيات القرن الماضي، حين كان الغرب يُحاصرها إلى حد الاختناق، لكنها تفعل اليوم المستحيل، لتبقي مجرماً يفتك بهم في الحكم، وتُجاهر بتأييده، على الرغم من قراراتٍ دوليةٍ وافقت عليها، تضعه في خانة مجرمي الحرب، بل وترسل جيشها للحفاظ على نظامه، بقتل ضحاياه الذين لم يسبق لهم أن أبدوا أي رغبةٍ في تقييد (أو تهديد) مصالحها، في سورية والمنطقة العربية، وأعلنوا دوماً استعدادهم لتفاهمٍ طويل الأمد معها، بسبب ضرورته لحمايتهم من سطوة أميركا وعدوانية إسرائيل، ولإعادة الحياة الطبيعية إلى وطنهم الذي يريدون أن يكون لروسيا دور رئيسي في إعادة بنائه على الصعيدين المدني والعسكري. لذلك، من غير المعقول أن يكون رد روسيا على يدهم الممدودة بالصداقة مقاتلتهم، لإحكام قبضة القاتل على أعناقهم، والإمعان في تهجيرهم وتجويعهم واعتقالهم وتعذيبهم، وتدمير ما بنوه خلال قرون على رؤوسهم.
لا يتفهّم السوريون هذا الموقف الروسي، ولا يقبلونه، وينتظرون أن تبادر روسيا إلى تغييره. وهم يدينون سياساتها التي تقتل مطالبين بالحرية، هدفهم الذي سبق لشعبها أن ثار من أجل بلوغه. ولا يتفهّم السوريون موقف أميركا التي تتظاهر بدعمهم، لكنها المستفيد الأكبر من مأساتهم، والدولة التي تدير أزمتهم، وتصارع بدمائهم خصومها الإيرانيين والروس، وتحقّق تفوقاً إسرائيلياً مطلقاً على المنطقة، بينما ترسم خطوطاً حمراء تحدّد أدوار المنخرطين في الصراع السوري، بما في ذلك دور روسيا. لم يعد السوريون قادرين على تفهم الدور الأميركي أو على قبوله، وهم يرفضون ويدينون الطريقة التحقيرية التي استخدمها باراك أوباما، أخيراً، في الحديث عنهم، وكشف خلالها كم وكيف مارس هو ومساعدوه الكذب عليهم، وضلّلوهم، وقدّموا لهم معسول الوعود، بينما كانوا يسقونهم، في الواقع، سم سياساتٍ من مستويين: واحد خفي، تجاهل حقوقهم ورفض مطالبهم، وآخر معلن، أيّدهم ظاهرياً، لكن هدفه كان تخديرهم وإبقاءهم غافلين عمّا تريده واشنطن منهم ولهم، تنفيذاً لخططٍ اعتبرت في الحدث السوري أزمة تكمن مصلحتها في إدارتها وإطالتها، والتحكّم بمجرياتها، والامتناع عن بذل أي جهدٍ جدّي لإيجاد حلٍّ لها، بما أنها تمكّنها من تصفية حسابات إقليمية ودولية مع إيران وروسيا، وتحول دون وقف الصراع أو السماح بانتصار الثورة أو إيجاد حلٍّ لها، قبل ترويض إيران وإركاعها وإنهاك روسيا.
هل يحق للسوريين أن يروا في أنفسهم ضحايا سياسات تنتهجها الدولتان، يفضي تكاملها إلى موتهم بالجملة وخراب وطنهم؟ وهل يحق لهم أن يغضبوا، وهم يتخبّطون في متاهةٍ صنعتها لهم سياساتٌ دولية متجبرة، تتعمد ألّا تنصفهم أو تتفهم حقوقهم، جعلت منهم أدواتٍ لا تبدو، في الأفق، نهاية لتلاعبها بهم، أو لفردٍ حمايتها على قاتلهم ونظامه وعصاباته.
أيها العالم الظالم: لصبر السوريين نهاية.
العربي الجديد