لم تكن هناك حادثة تُظهر منظمة فتح الله غولن الدموية على حقيقتها، كمحاولة الانقلاب التي جرت في 15 تموز/ يوليو، وعلى الرغم من أنّ الشعب دفع ثمن باهظا لأعمال هذه المنظمة، إلا أنّه لأول مرة تُدرك الأحزاب السياسية، وكذلك الغالبية العظمى من الشعب التركي خطورة هذه الأداة بيد قوى الاستعمار العالمية.
ولو أنّ الشعب لم يستجب لنداء أردوغان، لكنا قد دفعنا أثمانا باهظة أكثر.
لكن في الحقيقة لا نعلم حتى الآن حجم الآثار السلبية على السياسة التركية التي قامت بها المنظمة في الماضي، وكان وزير الطاقة برآت البيراق أول من لفت الانتباه إلى ماضي المنظمة السيء، عندما قال: “لا يمكن أنْ ننفي صلة المنظمة ليس بحادثة إسقاط الطائرة الروسية فحسب، وإنما بحوادث أخرى، مثل افتعال أحداث غزي بارك، ومجزرة “أولودره”، وغيرها من الأحداث الأخرى”.
وهذا يعيدنا إلى الماضي لننظر في جميع الأحداث مرة أخرى، من اغتيال هرانت دينك، إلى مباحثات أوسلو، وإلى تفجر العلاقات المدنية العسكرية، وغيرها من الأحداث، سنجد بصمة لمنظمة فتح الله غولن فيها.
كل تلك الأحداث والبحث فيها مهم، لكن الأهم هو مجزرة “أولو دره”، لأنها كانت نقطة تحول ونقطة مفصلية.
كانت مجزرة أولو دره، أكبر عملية تقوم بها منظمة غولن في حربها المفتوحة ضد حزب العدالة والتنمية، وذلك قبل عملية قطع الطريق على قاطرات جهاز الاستخبارات في 7 شباط/ فبراير. حيث قام طائرة F-16 تابعة للجيش التركي، بقصف مدنيين أكرادا في الأراضي العراقية، وتسببت بمقتل 34 قروي كردي، وبررت ذلك بأنهم مروا عبر طريق كانت عناصر حزب العمال الكردستاني تمر منه، وبأنّ الجيش حصل على معلومات استخباراتية خاطئة.
في تلك الفترة، كانت العلاقة بين الحكومة ورئاسة الأركان قد ارتكزت على مسارها، وسمعة “الجيش الانقلابي” بدأ يتلاشى عن الجيش التركي، ولذلك كان هدف مجزرة أولو دره، هو نسف هذا الأمر، وإرجاع نظرة الجيش إلى ما كانت عليه في التسعينيات، خصوصا عند الأكراد. كما هدفت هذه الحادثة إلى نسف اعتبار أردوغان لدى الأكراد، الذي ازداد بصورة كبيرة مع إصرار أردوغان على عملية السلام.
وبذلك تسببت هذه المجزرة، في زيادة قوة حزب العمال الكردستاني، واحتلال الحادثة مساحة واسعة في الإعلام الغربي، وفقدان تركيا شيئا من قوتها وهيبتها.
وبكل أسف لم نُدرك في ذلك الوقت ما يمكن أنْ تقوم به منظمة فتح الله غولن ضد الشعب، حيث كانت طائرة F-16 تلك التي ارتكبت المجزرة في 28 كانون أول/ ديسمبر 2011، هي أول طائرة تنفذ مهمة للتنظيم الموازي. وبذات الطريقة اقلعوا بطائرات حربية وقصفوا الشعب والبرلمان دون أنْ ترجف لهم عين.
عند دراسة هذا الملف، نُدرك بأنه يتوجب علينا اجتثاث كل امتدادات هذه المنظمة، ليس في الجيش فقط، وإنما في جهاز الشرطة، وفي أجهزة الدولة الأخرى.
محمود أوفور – ترك برس