توحي مجريات الحوارات الأميركية الروسية الأخيرة أن الحل السوري لم ينضج بعد على أقل تقدير، هذا إذا كان المرء متفائلاً، وأراد أن يطرد غيوم التشاؤم، فاللقاء الذي استمر ساعة ونصف الساعة بين الرئيسين، الأميركي باراك أوباما والروسي فلاديمير بوتين، في الصين يوم الإثنين الماضي، انتهى من دون أي نتيجة ملموسة، على الرغم من التمهيد الإيجابي له من الطرفين اللذين صاغا نص اتفاقٍ كان سيعلن في ختام اللقاء، وهو هدنة تبدأ في حلب، وتعمّم لاحقاً على مستوى سورية، لتشكل مدخلاً إلى وقف إطلاق نار شامل.
قبل يوم من انعقاد الاجتماع على هامش قمة العشرين، سرّب المندوب الأميركي إلى سورية، مايكل راتني، نص الاتفاق الأميركي الروسي، في رسالة بعثها إلى الفصائل الرئيسية في المعارضة السورية المسلحة. وتحدّث وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن عقبتين باقيتين في طريق الاتفاق، بحاجة إلى تذليل في اجتماع الرئيسين، تتعلق الأولى بالضمانة الرئيسية للرد على انتهاكات النظام الرسمي الهدنة، بينما تتركز الثانية على مسألة ضبط “جبهة فتح الشام” (جبهة النصرة سابقاً).
اتسمت الساعات التي سبقت اللقاء بالشد والجذب على الصعيد الدبلوماسي والتسخين الميداني الذي انتهى لصالح الروس في حلب، باستعادة النظام السوري وحلفائه الإيرانيين فرض الحصار على حلب، وإعادة الموقف إلى ما كان عليه قبل السادس من أغسطس/ آب الماضي. وعكس ذلك جانباً من أساليب المناورة الروسية داخل الملعب السوري، والتي تنطلق من حسابات خاصة، قائمة على منطق المصلحة الروسية أولاً. وانعكس ذلك في حديث بوتين في المؤتمر الصحافي الذي عقده، بعد ختام الاجتماع مع أوباما. وكان الرئيس الروسي صريحاً، حين أفصح أن جانباً من الاجتماع تناول العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، بسبب النزاع في أوكرانيا.
أوضح بوتين أن المفاوضات كانت معقدة، لأنها تناولت قضايا متشابكة، وكشف خبراء تابعوا الاجتماع أنه تناول الملفين السوري والأوكرواني فقط، وأن بوتين ربط بينهما. ومن هنا، يرى الخبراء أن رمي ورقة العقوبات على الطاولة كان من قبيل تقديمها مفتاحاً للحل في سورية، وهذا لا يعني أن رفع العقوبات سيدفع الروس إلى التنازل في سورية، إنما سيمهد للتعاون من أجل البدء في مفاوضات الحل في سورية، وهذه مسألة أخرى، سوف يكون البحث فيها على أسس أخرى، ووفق حساباتٍ تنطلق من موازين القوى على الأرض. إذن، طرح بوتين مقايضة الهدنة برفع العقوبات، وربما تشهد الفترة المقبلة وضوحاً أكثر، وألا تبقى المساومة في الكواليس، وذلك تبعاً لتقدم المفاوضات بين كيري ولافروف.
يتصرف الروس من موقع أن أوراقهم في سورية أقوى من الأوراق الأميركية، بل من الأطراف كافة، بما في ذلك النظام وإيران، وأنه في وسعهم أن يفرضوا وقفاً لإطلاق النار على الأطراف كافة، كما بمقدورهم تصعيد الأوضاع. وقد تبين، خلال السنة الماضية، أن الثمن الذي يطلبونه من أجل المساعدة على حلٍّ بنّاء في سورية كبير، وقد تجاوز ذلك العروض التي قدمتها الأطراف الإقليمية لموسكو، وهم لا يخفون أن هدفهم الأسمى أن يرفع الغرب يده عن أوكرانيا ويغلق هذا الملف.
ويتبين من مسلسل كيري لافروف عن سورية أن الروس غير مستعجلين من أمرهم في الوصول إلى تسوية، فهم من جهةٍ يعتقدون أن الورقة السورية في يدهم يزداد ثمنها كل يوم. ومن جهة أخرى، يأخذون في عين الاعتبار الانتخابات الرئاسية الأميركية التي باتت على الأبواب، ويفضلون أن يتريثوا كي يتفاوضوا مع الإدارة الأميركية المقبلة، والتي لن تكون لديها بالضرورة مقاربة إدارة أوباما.
العربي الجديد – بشير البكر