بينما تصاب أوروبا بحالة من الشلل بسبب الاستفتاء في بريطانيا، فإن الأزمة التي تسببت بمعظم الضرر في القارة مستمرة دون توقف: إنها الحرب في سوريا. على اعتاب أوروبا تماما، لا زالت سوريا تحترق. لقد حان الوقت لنعترف ان جهود السلام التي تقوم بها الولايات المتحدة وروسيا فشلت فشلا ذريعا. ولا أحد يعرف ما إذا كان هناك أية فرصة لأن يتغير هذا الحال بعد وصول الرئيس الأمريكي الجديد إلى سدة الرئاسة بداية عام 2017. ولكن هذا بالضبط السؤال الذي يتوجب على الأوروبيين أن يبدأوا بالتفكير فيه. والوقت المناسب لذلك هو الآن.
إذا كان هناك من يعتقد أن سوريا ذهبت بعيدا، فليعيد النظر مرة أخرى. حملة القصف العنيفة التي تشنها القوات الروسية والحكومية السورية، التي يستخدم في بعضها البراميل المتفجرة، عادت مرة أخرى لتضرب مدينة حلب المحاصرة. دمرت المزيد من المستشفيات وقتل عدد كبير من الأطفال، هناك الكثير من الصور التي تنشر على الإنترنت ولكنها لا تلقى ذلك الاهتمام. دعونا نواجه الأمر: لقد أصبحنا مخدرين حيال الأزمة في سوريا.
ولكننا نتجاهل سوريا وهذا يعرضنا نحن للخطر. أجبال العرب والمسلمين القادمة، إن لم يكن الأجيال الحالية، سوف تسأل أوروبا لماذا لم تقوموا بالمزيد لمساعدة أمة تتعرض للذبح على يد جيش الدكتاتور وحلفائه. مصير أوروبا مرتبط بالأحداث الجارية في المحيط العربي عكس الولايات المتحدة. أمام كل لاجئ سوري جاء إلى أوروبا وعومل معاملة لائقة، كم سوري رفض أو تعرض للحصار في منطقة الحرب سوف يشعر بالاستياء تجاه أولئك الموجودين في الغرب والذين يفضلون أن يقيموا الأسلاك الشائكة أو أن يقفوا ويفركوا أيديهم؟
منشغلين بقضايا الإرهاب وحصص اللاجئين، فإننا نشعر بالقلق حيال الآثار المترتبة على ذلك ولكننا توقفنا عن التفكير في الأسباب الجذرية. الأسباب ليست موجودة في الرقة عاصمة الدولة الإسلامية. إنها موجودة هناك في القصر الرئاسي في دمشق.
معظم الناس في أوروبا اليوم يرون أن سوريا مشكلة تتعلق بمكافحة الإرهاب. تشجع حكوماتهم ذلك لأن إرسال طائرات حربية أمر أكثر بساطة من معالجة الكارثة المعقدة الموجودة في الواقع – والتي تشكل أسوأ كارثة إنسانية في عصرنا الحالي. القتال ضد داعش شهد تقدما في الفترة الأخيرة. في سوريا والعراق، أصبحت الجماعة في وضع دفاعي إلى حد ما، ويبدو أن القوات الكردية والعربية المدعومة من الغرب أصبحت على وشك استعادة جيوب من الأراضي. إن ذلك لا يمثل الصورة كاملة، ولكنها الصورة التي يفضل السياسيون الغربيون التركيز عليها.
الجزء الآخر من الصورة هو ما خلق حركة اللاجئين إلى أوروبا من سوريا عام 2015، إنها الحرب الأهلية التي بدأت عام 2011 عندما أمر الرئيس بشار الأسد قواته الأمنية بفتح النار على المحتجين السلميين الذين كانوا يدعون إلى ثورة سلمية كما حصل في تونس. الأسد، الذي حصل على مساعدة من روسيا وإيران، أطلق المسلحين الإسلاميين فيما بعد من سجونه وضمن أن العالم سوف يبدأ في رؤية سوريا بصورة خيارين لا ثالث لهما: إما هو أو الجهاديين السنة.
نما التطرف في صفوف المعارضة السورية المسلحة، ودعمت هذه الظاهرة من قبل بعض الداعمين الخليجيين. ولكن ذلك لا يعني أن المعارضة السورية يجب أن ترفض. لو لم يكن هناك أكثر من مجرد حفنة من الإسلاميين المتطرفين، فإنه لن يكون هناك محادثات ترعاها الأمم المتحدة والهيئة العليا للمفاوضات المعارضة للأسد. هذه المحادثات كانت تسير قدما وكانت روسيا ملتزمة بها حتى بعد تدخلها العسكري في سبتمبر 2015. كان من المفترض أن توقف هذه المفاوضات الحرب الأهلية في سوريا. ولكنها لم تفعل.
لم يكن من المفترض أن تسير الأمور بهذه الطريقة. ألا نتذكر كيف أنه في سبتمبر الماضي صوت مجلس الأمن بالإجماع على قرار يهدف إلى وقف الحرب الأهلية ويقدم لسوريا حكومة جديدة؟ أشيد بالقرار على أنه خطوة كبيرة تجاه السلام. قال جون كيري:” المجلس يرسل رسالة واضحة إلى جميع الأطراف المعنية. لقد حان الوقت الآن لوقف القتل في سوريا”. مجموعة دعم سوريا الدولية التي تتكون من 17 دولة أطلقت عملية تهدف إلى التغيير السياسي في سوريا. ودعت إلى حكومة شاملة غير طائفية ضمن ستة أشهر، وإجراء انتخابات نزيهة وكتابة دستور جديد خلال 18 شهرا.
الآن يبدو أن كل ما في وسع الأمم المتحدة القيام به هو انتظار أن يعطي نظام الأسد الإذن بدخول المساعدات إلى المدن والمناطق التي تحاصرها قواته. بداية هذا الشهر، وفي إهانة أخرى للأمم المتحدة، سمح نظام الأسد بدخول الشامبو المضاد للقمل وبعض الناموسيات وبعض اللقاحات إلى مدينة داريا، التي تقبع تحت الحصار منذ 2012. هذا الأسبوع وصلت بعض المواد الغذائية أخيرا – الأمر الذي استحق أن يتصدر عناوين الصحف كما لو كان إنجازا عظيما. ومع ذلك هناك حوالي 600000 سوري لا زالوا محاصرين.
قيل الكثير عن عن تقلص قوة الولايات المتحدة ومن الصعب أن لا توافق على أن الحل في سوريا لا يمكن أن يطبق إلا إن كان هناك درجة من التعاون من قبل روسيا. على الرغم من إعلان روسيا انسحابها من سورييا في مارس، إلا أنها تدخلت بصورة أكبر في الصراع، وعملت على الاستفادة من رغبة إدارة أوباما الحد من التدخل قدر الإمكان.
عبر نشر طائراتها وأنظمة الدفاع الجوي، خلقت روسيا منطقة حظر طيران تناسب مصالحها وصالح النظام الذيتحميه– وليس لحماية المدنيين. بالتأكيد، بعد شهر من الجمود الدبلوماسي، فإنه من الواضح أن الأمر الوحيد الذي تقدمه روسيا في سوريا هو المزيد من الهجمات ضد المدنيين كما هو الحال في حلب ، حيث تكثفت ضرباتها الجوية خلال الأسابيع الماضية، وليس ضد معاقل داعش القوية في الشرق.
قوة أوروبا تضاءلت دون شك أمام قدرة الولايات المتحدة. ولكنها موجودة، فقط إذا تحركت بصورة موحدة. لدى أوروبا مخاطر أكبر مما لدى الولايات المتحدة في سوريا بسبب الأثر المباشر لسياساتها المحلية والأمنية نتيجة للحرب. التمسك بهذه الحقيقة يجب أن يكون أولوية بالنسبة للأوروبيين قبل أن يفوت الأوان. روسيا تعتبر جارة أوروبا، وعلى أوروبا أن تجد العضلة التي يمكن أن تشكل رافعة في وجه بوتين. لن ينحني الرجل إجلال واحتراما ويبتسم، ولكن لديه موقف اقتصادي صعب.
ربما يكون الحديث حول عقوبات أوروبية جديدة، تركز هذه المرة على توجه روسيا في سوريا؟ ليس هناك حل سهل، ولكن طالما أن الولايات المتحدة وروسيا يجلسان على طاولة المفاوضات، فإن المصالح الأوروبية سوف تكون في وضع حرج. عداك عن معاناة المدنيين السوريين.
الجارديان 12/6/2016
ترجمة : قسم الترجمة في مركز الشرق العربي