شابت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سلسة من الإخفاقات سواء على صعيد السياسة الخارجية وخاصة تلك المتعلقة بقضايا الشرق الأوسط مع اندفاعها إلى مستويات غير مسبوقة من العنف والفوضى، لثبات فشلها في استغلال نفوذها في لعب دور بارز في حلحلة القضايا الإقليمية ومن بينها التعاطي مع الملف الإيراني وتداعياته اليوم باحتجاز طهران لزورقين أميركيين وعدد من البحارة الأميركيين.
وكل ذلك يعزى لسياسة واشنطن الخارجية المتخبطة والمتناقضة والمتخاذلة في كثير من الأحيان، الأمر الذي أدى إلى انخفاض ملحوظ في النفوذ الأميركي خارجيا، إضافة إلى زعزعة المصداقية التي طالما تمتع بها البيت الأبيض كشريك في حل القضايا الإقليمية.
فما من شك أن المنطقة برمتها اليوم باتت على صفيح من نار، وأعتى مما كانت عليه قبل الأعوام التي جاءت بإدارة أوباما إلى سدة السلطة.
إذ أسفر الفتور الأميركي عن إقحام المنطقة العربية للهاوية واتخامها بتيارات متطرفة تعصف بها موجات إرهابية شرقية وغربية، بالإضافة إلى أنها أذعنت لعدو لدود بتقديمها وبشكل غير مباشر مهلة لطهران لترتيب أوراقها والدخول في غمار السباق النووي.
فعلى مدى العقود الأربعة الماضية، انتهجت الإدارات الأميركية المتعاقبة نهجا توافقيا في تحقيق أهداف استراتيجية لها في المنطقة ومنها المحاولات الإيرانية لاستعراض قواها العسكرية في المنطقة عموما وفي الخليج العربي على وجه الخصوص.
إلا أن إدارة أوباما فشلت في كبح جماح الأحلام التوسعية لطهران واستعراض قوتها في المنطقة ومحاولتها زعزعة استقرار الدول العربية، إذ هددت مرارا وتكرارا بإغلاق مضيق هرمز رافضة أي تواجد عسكري أميركي هناك.
حتى أن السياسة الأميركية تجاه إيران، والتي توجت بتوقيع الاتفاق النووي مع إيران، لم تفلح في تحقيق نجاحات ودفعت واشنطن وستدفع ثمنا باهضا لوقف برنامج إيران النووي.
فعلى العكس من ذلك حققت طهران مكتسبات ومكاسب لم تحلم بها جراء ذلك الاتفاق سيما وأن المكر السياسي لصناع القرار في إيران ينطوي على انتهاج مذهب التقية واللعب في الخفاء.
ومع التقارب الإيراني الروسي الذي أظهرته الأزمة السورية، أصبحت طهران تشكل قلقا متزايدا لدى جاراتها، خاصة بعد محاولاتها العديدة لزعزعة استقرار أمن تلك الدول من خلال إذكاء فتيل الفتنة واللعب على أوراق الطائفية واستغلال جماعات فاعلة لها كوكلاء حرب وتهديد أمن الدول المحيطة بها.
كما أفضت السياسة الأميركية تجاه العراق خاصة بعد إطاحة نظام صدام حسين بتوغل طهران في أركان ومفاصل السياسة العراقية لتصبح بغداد إحدى المراكز التابعة لمدينة قم لتغذيها بميليشيات طائفية تنفذ الأجندة الإيرانية في العراق كأمر واقع.
وفيما يتعلق بملف الأزمة السورية، يمكن وصف تعاطي الإدارة الأميركية مع الأزمة بالركيك، خاصة مع الدور الأميركي الفاتر في الحرب ضد الإرهاب والحملة الجوية العسكرية الأميركية الباهتة إزاء صعود نجم التيارات المتشددة في سوريا.
وإضافة إلى حالة الارتباك داخل إدارة أوباما في تعاطيها مع الحكومة السورية وترنح قرارها بين بقاء أو عدم بقاء نظام بشار الأسد في السلطة، جاء دخول الدب الروسي للساحة السورية سياسيا وعسكريا باستهدافه المعارضة السورية المدعومة أميركيا ليؤكد على هامشية دور واشنطن وخروجها خالية الوفاض من دائرة صنع القرار حول مستقبل سوريا.
فعلى مدى 7 أعوام نأت إدارة الرئيس باراك أوباما بظهرها وأقصت حلفاء لها. وانحازت الإدارة الأميركية في السياسة تجاه مصر بعد إطاحة حكم الرئيس الإخواني محمد مرسي بعد ثورة شعبية رافضة للتوجه الذي لا يتفق وتوجه معظم المصريين، فعلقت المساعدات العسكرية الأميركية المقدمة لمصر رغم التحديات الإرهابية التي تواجهها من التنظيمات المتطرفة في سيناء.
وليس أدل على خيبة السياسة الخارجية الأميركية من تفاقم الأوضاع في ليبيا التي خرجت عن نطاق السيطرة مهددة الأمن الإقليمي والدولي، وصعود الجماعات الإرهابية المتطرفة في المنطقة برمتها سواء في العراق وسوريا أو ليبيا وسيناء ومنطقة المغرب العربي.
وبسبب ازدياد وتيرة التطرف والإرهاب، عادت قرارات الإدارة الأميركية المتخبطة إلى جادة الصواب بالانخراط مع تحالف دولي بهدف تجفيف منابع الإرهاب، وقامت باستئناف المساعدات العسكرية لمصر؛ والذي لم يكن قرار تعليق تلك المساعدات في المقام الأول بالقرار الحصيف.
ولطالما عكف الرؤساء الأميركيون في السابق على ضمان ديمومة المفاوضات بين الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني -رغم التحيز الواضح لإسرائيل- للوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية. إلا أن فترة حكم إدارة أوباما فشلت فيها واشنطن في التوصل إلى تقارب نحو تسوية دائمة وأخفقت في دفع عجلة السلام قدما رغم “اتفاقيات السلام” الراكدة بين الجانبين.
وهذه الحقيقة تؤكدها انتفاضتان فلسطينيتان إبان عهد أوباما، مع احتمال اندلاع انتفاضة ثالثة تلوح في الأفق لتذر كل الاتفاقيات السابقة بين الفلسطينيين وإسرائيل.
وتقف اليوم مصداقية السياسة الأميركية في الشرق الأوسط على المحك بعد أن تعرضت للضرر بشكل كبير من إدارة أوباما التي يمكن وصفها بأنها غير واضحة وغير متناسقة، وبدون استراتيجية مما سيضطرها إلى دفع ثمن باهض لها في الغد الذي لناظره قريب.
سكاي نيوز عربية