يعيش أهالي ريف الحسكة الجنوبي بين مطرقة تنظيم الدولة وسندان وحدات حماية الشعب الكردية أو قوات النظام، فتنقّلهم بين كل منطقة تخضع لسيطرة هذه الأطراف لأسباب مختلفة، يشكل رحلة معاناة لا تخلو من الخطر ودفع الأتاوات.
المظهر الخارجي من لحية وشعر طويل منع أبو حنان -من سكان الحسكة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية- من دخول المناطق التي تخضع لسيطرة وحدات حماية الشعب الكردية، للتداوي.
ويقول أبو حنان الذي يعاني من قصور كلوي، إن الأمر بات يصنف بحسب المكان الذي ينتمي إليه.
ويواجه أهالي ريف الحسكة الجنوبي مصاعب في التنقل من مناطق سيطرة التنظيم في بلدة الشدادة نحو مناطق سيطرة قوات النظام السوري ووحدات حماية الشعب في محافظة الحسكة.
بضعة كيلومترات تشكل الحد الفاصل بين مناطق سيطرة الطرفين، إلا أن المدنيين يجدون صعوبة في الانتقال جراء منع التنظيم للسكان من الخروج من مناطق سيطرته، ووضع الوحدات الكردية شروطا تعجيزية لاستقبال النازحين العرب من أبناء محافظة الحسكة، أبرزها “الكفيل”.
مصاعب السفر
وبات الوصول إلى مركز مدينة الحسكة شبه مستحيل، فبعد أن كانت تُسير عشرات الرحلات يوميا بين الريف والمدينة، اقتصرت اليوم على رحلة واحدة كل أسبوع في أحسن الظروف.
تقول أم دحام الواصلة من بلدة الشدادة إن “عبور حواجز التنظيم والوحدات الكردية ليس بالأمر السهل، حيث استغرقت الرحلة التي لا تعدو بضعة كيلومترات أكثر من ثلاث ساعات”.
وتضيف للجزيرة نت “دفعت أربعة آلاف ليرة سورية لصاحب الدراجة النارية الذي أوصلني إلى أطراف الحسكة”.
بدوره، أشار الناشط سراج الحسكاوي إلى أن أهالي الريف الجنوبي يواجهون ظروفا كارثية جراء الاستهداف المتواصل لمدينتهم وقراهم من قبل الطيران الحربي.
وأوضح في حديث للجزيرة نت أن هناك صعوبات كثيرة تواجههم في الوصول إلى المدينة، سواء بقصد الدراسة أو العلاج أو استلام الرواتب.
وتابع أن هناك انتشارا كثيفا للحواجز، بداية من مناطق التنظيم مرورا بالوحدات الكردية وصولا إلى مناطق النظام، بالإضافة إلى شرط الكفيل الذي فرضته الإدارة الذاتية الكردية واستغلال أصحاب السيارات للمدنيين.
ومنعت وحدات حماية الشعب الكردية الأهالي من الدخول عن طريق قرية “مبروكة” باتجاه الحسكة، الأمر الذي دفعهم إلى السفر نحو محافظة الرقة ومنها إلى رأس العين شمالا ومن ثم إلى الحسكة المدينة.
تقول أم سعد “قد يموت المرء قبل الخروج من مناطق سيطرة التنظيم، حيث تنعدم الرعاية الطبية عقب هجرة الأطباء على وجه الخصوص”.
وتشير المرأة المسنة في حديث للجزيرة نت إلى الدور السلبي للأطراف المسيطرة على محافظة الحسكة، وتقول “إذا توجهت إلى المدينة تمنعك وحدات حماية الشعب الكردية لمجرد أنك من مناطق سيطرة التنظيم، فلا خيار أمامك سوى الموت أو أن تدفع المال لعناصر الحواجز للحصول على الكفالة التي تصل إلى 75 ألف ليرة سورية”.
تبريرات
ويرى أصحاب السيارات أنهم لا يتقاضون أجورا مرتفعة قياسا بالمخاطر التي يتعرضون لها، سواء من قبل التنظيم أو حواجز النظام التي تلزمهم بدفع مبالغ معينة لقاء السماح لهم بالدخول.
يقول تحسين -وهو سائق سيارة أجرة- “لا نتقاضى سوى ما يمكّننا من الاستمرار بالعمل في ظل الغلاء الذي تشهده المنطقة وارتفاع أسعار المحروقات وصيانة السيارات، ناهيك عن المخاطر التي نتعرض لها كالاعتقال والقصف من قبل الطيران وغير ذلك”.
بدوره، يبرر وليد -وهو سائق سيارة نقل ركاب- ارتفاع أسعار النقل بالقول “إذا افتضح أمرنا لعناصر التنظيم فإن ذلك يعرضنا للاعتقال ودفع غرامة مالية، وإذا تكرر الأمر تصادر السيارة بشكل نهائي، عدا عن العقوبات الجسدية”.
ويضيف وليد للجزيرة نت أن “الرحلة بين الريف والمدينة تستغرق وقتا طويلا حيث نسلك طرقا ترابية وعرة، هربا من الحواجز بعد أن قطعت كافة الطرق، وهذا يعرض الآلية للعطب السريع، وبالتالي كل ما نتقاضاه لا يكفي لإصلاحها”.
المصدر : الجزيرة