لم يعد لأهالي الفلوجة خيارات كثيرة لحياة آمنة، فالذبح أمامهم والقصف من فوقهم، غير أنهم بعد المجزرة التي ارتكبتها ميليشيات مسلحة مؤخراً بالفارين من جحيم المعارك في الصقلاوية والكرمة على أطراف المدينة، صاروا يفضلون الموت قصفاً وجوعاً على الوقوع بيد المليشيات التي لا ترحم صغيراً ولا كبيراً، فضلاً عن خشيتهم على أعراضهم من الانتهاك.
وتوجه كثيرٌ من الفارين من أطراف المدينة والقرى والأرياف الزراعية نحو مركزها الذي يسيطر عليه تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد أن شاهدوا ما حصل لجيرانهم وأقربائهم على يد المليشيات وأصبحوا يعتبرون أن بقاءهم تحت القصف أكثر رحمة من وقوعهم بيد المليشيات والقوات العراقية بمختلف صنوفها.
ونزح المئات من الأهالي من أطراف الفلوجة منذ بدء العملية العسكرية على المدينة قبل 19 يوماَ، لكنهم وقعوا بيد المليشيات التي ذبحت عدداً منهم بالسكاكين، وأحرقت ودفنت العشرات منهم أحياء بالجرافات في حفر كبيرة.
هذه المشاهد هونت القصف والجوع على الفارين من رحى الحرب الدائرة فوجدوا أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ، إما الوقوع بيد المليشيات والتعرض للتعذيب والذبح، أو الخلاص بالتوجه نحو المدينة والبقاء تحت رحمة القصف والجوع الشديدين.
حميد المحمدي هرب بأسرته من الصقلاوية مذعوراً بعد أن توغلت فيها المليشيات قبل أيام ، وبعد أن شاهد كيف ذبحت المليشيات عدداً من جيرانه، يقول: “عندما دخلت القوات العراقية إلى مناطقنا في الصقلاوية قبل أيام اعتقدنا أن هذه القوات ستنقذنا وتأخذنا إلى مخيمات قريبة لحين انتهاء المعارك، لكننا فوجئنا بعكس ذلك”.
ويضيف المحمدي لـ”العربي الجديد”: “خرجت بأسرتي إلى أحد البساتين في المنطقة احتماءً من القصف لأتوجه نحو القوات العراقية، لكني شاهدت الجنود والضباط والمليشيات معهم تعدم بالرصاص عدداً من جيراني وآخرين ذبحوهم بالسكاكين”.
ويتابع “عندها تسللت مع أسرتي عبر البساتين حتى تمكنت من الوصول إلى الفلوجة، فالموت قصفاً وجوعاً أرحم من الوقوع بيد المليشيات الإرهابية”.
ولا يختلف حال الأهالي داخل الفلوجة ممن مضى عليهم عامان ونصف العام تحت قصف وحصار خانق وجوع شديد، فهم في حيرة من أمرهم، فالقوات العراقية لا ترحمهم إذا خرجوا من المدينة وتعتقل كل شاب أو رجل بحجة التحقيق ثم يختفي، ورغم ذلك فحظهم أوفر بكثير ممن وقع بيد القوات العراقية والمليشيات.
ويسود الترقب على الأجواء داخل الفلوجة، في وقت تتحدث فيه قيادات عسكرية عن قرب عملية اقتحام بعد فشل كل محاولات التقدم نحو المدينة من محورها الشمالي والشرقي والجنوبي.
ويقول الشيخ ماجد الهاشمي، أحد وجهاء الفلوجة، إنّ “عدد الأهالي كبير داخل المدينة، والحديث عن وجود 40 أو 50 ألفاً غير صحيح، فالعدد قد يصل إلى 150 أو 200 ألف نسمة، خاصة بعد أن نزح المئات والآلاف من أطرافها بسبب المعارك والقصف الشديد”.
ويبيّن الهاشمي أن “أهالي المدينة يرفضون الخروج في ظل المجازر البشعة التي ترتكبها القوات العراقية والمليشيات، كما حصل قبل أيام في الصقلاوية والكرمة، رغم موافقة تنظيم الدولة الإسلامية”.
وفي ظل هذه الأعداد الكبيرة وعدم وجود منافذ آمنة أو مخيمات تتسع لاستقبالهم، فضلاً عن المخاطر المحدقة بمن يخرج، يفضل الناس البقاء في مدينتهم، فكل من خرج تم عزله عن أسرته واعتقاله بحجة التحقيق.
وبين من يقضي جوعاً أو قصفاً أو يموت ذبحاً وحرقا على يد المليشيات ذاتها مسافة من الأمل قد تبقي بصيصاً من الضوء في نهاية النفق، أو موتاً بطيئاً لكنه أرحم في نظر أهالي الفلوجة من الهلاك على يد المليشيات.
أحمد النعيمي – العربي الجديد