هل تُصَدّق، عزيزي القارئ، أن الحديث عن رابطة الكتّاب السوريين التي تأسست في المنافي بعد انطلاق الثورة السورية، سيقودنا إلى الحديث عن الرفيق الدكتور رفعت الأسد؟
تتلخّص آلية الربط بين الأمرين في أننا، الآن، نخوض في شأنٍ سوري، والسوريون يعتقدون أن خلط “عباس بدباس” ممكنٌ أحياناً. ويُنَكِّتون على الشخص الخَلَّاط، قائلين إنه كان يتحدث في الطب البشري، وفجأة صار يحكي عن البيطرة وقلع الأضراس. ويسألون: هل يمكن تقليم شتلات البندورة (الطماطم) لتثمر باذنجاناً؟ فينبري مزارعٌ عبقري ليؤكد ذلك، ويحلف يميناً معظّماً على أنه رأى هذه الظاهرة بأم عينه.
حسناً. يمكننا أن نباشر البحث في الخلائط السورية، فنقول إن السيد عبد الحليم خدام، مثلاً، اشترك مع حافظ الأسد في حكم سورية منذ انقلاب عام 1970، ونحن لا نعلم عنه سوى أنه استمرَّ في منصب نائب رئيس الجمهورية (1970- 2005) أكثر ممّا استمر حافظ الأسد نفسه في رئاسة الجمهورية (1970- 2000)! ولكن، غداة ليلة انشقاقه المباركة، يوم 31/12/2005، عَقَدَ مجلس الشعب السوري جلسةً خاصة للردح له، وتعريته، وتسخيفه، وتخوينه. وفوجئنا، من مداخلات بعض الأعضاء، أنه كان عضواً في نقابة المحامين السورية… وفهمنا، أيضاً، أن هذه النقابة المبجلة أبقتْ على عضويته طوال تلك السنين، على الرغم من يقينها بأنه لا يزاول المهنة، لكنها قررتْ فصله من عضويتها حينما اكتشفت، بغتةً، أنه عميل للاستعمار، والإمبريالية، والصهيونية، وجماعة 14 آذار.
في سنة 1989، صدر قانونٌ يقضي بمنح الكتاب راتباً تقاعدياً لدى بلوغهم السن القانونية، ومنح ذويهم “تعويض الوفاة”، بعد توقف قلوبهم عن الخفقان.. ومنذ ذلك التاريخ، أصبح الانتساب إلى اتحاد الكتاب العرب ينطوي على إغراءٍ كثير. ومع أن بعض المثقفين الحالمين يعتقدون أنه ليس في مقدور الإنسان أن يكون كاتباً أو أديباً بسهولة، فهذا الأمر يحتاج موهبةً قويةً، وامتلاك ناصية اللغة العربية، وتحصيل شهادات عالية وثقافة موسوعية،.. إلا أن الواقع جعلنا نشهد عكس ذلك، بدليل أن السيد الدكتور علي عقلة عرسان فتح مجال الانتساب إلى اتحاد الكتاب العرب على مصراعيه، فكان يَقبل أشخاصاً لا يجيدون صياغة جملةٍ عربيةٍ سليمةٍ واحدة.. لأن المهم لديه أن يكونوا على صلة طيبة بالمخابرات، وأن ينتخبوه رئيساً للاتحاد في المرات القادمة (وبالمناسبة: عرسان، مثل خدام، حكمَ اتحاد الكتاب أكثر مما حكم حافظُ الأسد سورية). وفي إحصائيةٍ طريفة، أن هذا الاتحاد يضم في قائمة عضويته ما يقرب من مئتي ضابط متقاعد من الجيش أو الشرطة، إضافة إلى تنسيب أشخاصٍ يشغلون مناصب قيادية في المنظمات الشعبية، منهم الدكتور أحمد أبو موسى رئيس منظمة طلائع البعث الذي اكتشفنا، إبّان وفاته في سنة 2009، أنه عضو في اتحاد الكتاب العرب.
قد توحي كلمة الدكتور أو (الدال نقطة) التي شاعت بين المسؤولين السوريين في التسعينات أنهم أصبحوا يهتمون بالتحصيل العلمي والثقافة. أبداً والله، لكنهم فوجئوا، وقتئذ، بخبر سعيد هو أن بعض الدول التي انفرط عنها عقد الاتحاد السوفييتي، أصبحت تبيع شهادات الدكتوراه للمسؤولين السوريين، وبضمنهم الذين لا يحملون إجازات جامعية، ومنهم، بالطبع، الدكتور رفعت الأسد الذي صرّح أنه تلقى خبر حصوله على الدكتوراه وهو جالس في فيء شجرة تين.
بلا طول سيرة.. كنت في سورية، سنة 2012، حينما اتصل بي الدكتور حسين جمعة، وهو أول رئيس لاتحاد الكتاب بعد عرسان، وأخبرني أنه سيضطر لفصلي من الاتحاد، إذا لم أنسحب من رابطة الكتاب السوريين. وحينما قلت له إنني لن أنسحب، أصدر قراراً مؤلفاً من بندين اثنين هما:
الأول: فصل العضو خطيب بدلة، بسبب انتسابه لرابطة الكتاب السوريين. الثاني: فصل العضو رفعت الأسد لامتناعه عن تسديد الاشتراكات السنوية.
إي نعم.
العربي الجديد – خطيب بدلة