قـــــراءة فــي الصحــف
عنوان استهلت به صحيفة “الغارديان” البريطانية في عرضها شهادة لأحد أطباء شيكاغو عندما كان يقوم برحلة محفوفة بالمخاطر من شيكاغو إلى حلب من أجل التطوع في مهمة طبية مع الجمعية الطبية الأمريكية السورية.
يقول الطبيب، عملنا في مستشفى تحت الأرض للبقاء في مأمن من الغارات الجوية، وشاهدنا جرحى يمكن علاجهم لكنهم يموتون؛ بسبب شح الموارد الطبية.
لا يوجد سوى 30 طبيباً في حلب، ويصف هؤلاء الأطباء الوضع بالمذهل والكارثي، ولقد رأيت الوضع بنفسي. حيث يتوجب عليهم إجراء عمليات البتر لأطفال على أرضية غرف الطوارئ من دون تخدير أو تعقيم. وعلاوة على ذلك، نفذت لديهم مخزونات زمر الدم وأكياس السيريوم والمضادات الحيوية ومسكنات الألم.
ويشقى الأطباء في توفير الرعاية الصحية للسكان المصابين بصدمات نفسية- وهم حوالي 300000 شخصاً؛ لأن النظام يقصف مستشفياتهم بشكل يومي، ويتم استنفاذ الإمدادات الطبية والأدوية.
يعملون دون توقف في الأشهر الثلاثة الماضية، من خلال تعاملهم مع تدفق عدد كبير من الإصابات المتنوعة وكثرة المرضى الذين تم سحبهم من تحت الانقاض حيث يعانون من إصابات مروعة.
في عموم سوريا وخصوصاً في حلب، يتم استهداف المستشفيات في كثير من الأحيان من قبل الحكومة السورية وفي الآونة الأخيرة من قبل الطائرات الحربية الروسية. وقد سجل أطباء من أجل حقوق الإنسان 382 هجمةً على المرافق الطبية، منها 344 هجمة من قبل النظام وروسيا. وكانت روسيا والنظام مسؤولين عن مقتل 703 من أصل 757 من العاملين في المجال الطبي في الحرب حتى الآن. ناهيك عن مغادرة معظم الأطباء من حلب.
يتابع الطبيب، عملنا في مستشفى تم بناؤه بعمق 20 متراً تحت الأرض؛ لأنه تم استهدافه عشر مرات في السنوات الأربع الماضية. عملنا وعشنا ونمنا في المستشفى، وكنا نسمع دوي انفجارات تهز الأرض بقربنا. حيث تم تشغيل المستشفى عبر مولد يعمل بالديزل.
وكان غريباً جداً بالنسبة لي- كأخصائي في العناية المركزة من شيكاغو- أن أشاهد ممرضات وأطباء في مستشفى تحت الارض في مدينة محاصرة في الشرق الأوسط. كان المستشفى الأكبر في حلب ، يجري 4000 عملية جراحية في كل عام. ففي وحدة الرعاية المركزة، عالجت ضحايا الضربات الجوية الروسية والسورية الأبرياء. وما زلت أتذكر بقوة أحمد حجازي، الذي تم سحبه من تحت أنقاض منزله المدمر بعد انفجار برميل متفجر ألقته طائرة النظام المروحية بينما كان نائماً.
كانت إصابة أحمد في العمود الفقري والرئة. حاول الأطباء لمعالجة حالته بالمواد الطبية المحدودة للغاية. لم نكن قادرين على نقله إلى تركيا لإجراء عملية جراحية لإنقاذ حياته بسبب قصف قوات النظام اليومي لطريق المدينة الوحيد؛ في محاولة من النظام لتطويق المدينة. وبعد بضعة أيام، استسلم أحمد، حيث تعرض لسكتة قلبية وفارق الحياة.
قالت لي طبيبة التوليد الوحيدة في المدينة، يضيف الطبيب، أنها كانت تستخدم خيوط الخياطة لتخيط الجروح بعد القيصرية بسبب نقص في الغرز/ الخيوط الجراحية. وقالت أن معظم الأطفال حديثي الولادة يعانون من انخفاض حاد في الوزن لأن النساء الحوامل لا يستطعن الحصول على الفواكه أو الخضروات أو الحليب أو اللحوم أو الفيتامينات. ناهيك أن المواد الغذائية وحليب الأطفال أصبح نادراً، لذلك من المتوقع، وللمرة الأولى في تاريخها الحديث، ستشهد حلب أطفال يعانون من سوء التغذية الحاد.
يختم الطبيب شهادته بالقول، ليس كافياً ذرف الدموع على صور الأطفال المصابين في سوريا. وأيضاً معانقة أطفالكم ليست كافيةً. الاستجابة الإنسانية المتوقعة عند رؤية شخص في محنة هي في بذل قصارى جهدنا لتخفيف محنتهم؛ لأن الأطفال السوريين ليسوا دمى نبكي عليها.
نحن مسؤولون وكذلك قادتنا السياسيون، إذا لم نتصرف عند مشاهدة أشرطة الفيديو لأطفال سوريين يبكون بألم شديد؛ لأن مجرمي الحرب يقصفونهم أو يقنصونهم. ومن الضروري أيضاً نشر معاناتهم عبر تويتر وفيسبوك، ولكن ذلك لا يعفينا من فعل ما هو أكثر نفعاً- وهو إنقاذ حياتهم وبناء مستقبل أفضل لهم.
المركز الصحفي السوري _ صحف