“من هنا مر قتلى على أمسنا غبار الغزاة، علمنا حتى الحجارة كيف تنتصر الحياة، بورد دم الجراح بقينا وبضحكاتي الذكريات، على وجه حلب هذا ما كتبته الأمهات”. بأبيات الشعر هذه يبدأ الفيلم الدعائي “أم الكل”، الذي عرضته قناة “الإخبارية السورية” على شاشتها بمناسبة عيد الأم، بعد حملة إعلانيّة له.
يأتي الفيلم ضمن حملةٍ دعائيّة وتسويقيّة لقرينة الرئيس السوري أسماء الأسد، تقوم بها قنوات النظام السوري. ويبدو منذ افتتاحه “ملحمة شعرية وطنية” تحاكي قضية عيد الأم بمنظور وطني، وفقاً لمعايير النظام. لكنّ متابعة ردود فعل مؤيّدي النظام السوري والمطبّلين له على مواقع التواصل الاجتماعي، توضح أنّه مجرّد استغلالٍ للأم في نشر أكاذيب جديدة عن المعارضة، في إطار تبجيل أسماء الأسد. فكتب هؤلاء تعليقاتٍ اختصرت الأمهات، وسورية كلّها، بأسماء. كما تبادلوا عبارة “لو ألّف المجدُ سِفراً عن مفاخره.. لراح يكتبُ في عنوانه “حلبا”، للترويج للفيلم.
تتجاوز مدة الفيلم – الدعاية، 27 دقيقة، فتمر على المتلقين ببطء، وينقسم الفيلم لكتلتين أساسيتين: الأولى يستعرض فيها النظام قصصاً لثلاث أمهات حلبيات وجندي موزعة على إحدى عشر دقيقة. أما ما تبقى من الفيلم، فهو عبارة عن مقطع طويل تلقي به (زوجة الرئيس السوري) أسماء الأسد، خطاباً على أمهات الشهداء في قصرها الفخم.
يستعرض القسم الأول حكايات الأمهات، فتظهر بالبداية أم محمد، وهي واقفة بالقرب من قلعة حلب، وتسرد لنا قصة فانتازيا عن حلم ابنها الطفولي، الذي رافقه لسنوات قبل أن يتحقق ويصبح جندياً بالجيش السوري، وكيف استشهد، لتتوج القصة بفخرها وسعادتها كأم بموت ابنها في خدمة جيش الأسد. ثم تظهر الشخصية الثانية، وهي أم إلياس، لتروي قصة ابنها الذي استشهد إثر سقوط قذيفة هاون على أحد الأحياء في حلب… فيتّهم الفيلم قوات المعارضة بقصف أحياء المدنيين في حلب.
يبعث الفيلم رسالةً من خلال الأسماء التي استخدمها، مفادها أن مؤيدي النظام وجنوده من مختلف الطوائف. ثم تظهر الشخصية الثالثة، السيدة سمر فارس، لتروي قصة ابنيها اللذين “فرقتهما الثورة”، فالتحق أحدهما بالجيش طوعاً، والآخر قرر الانضمام للمسلحين مرغماً على حسب تعبيرها، وكيف قطعت الأسرة علاقتها معه وتبرأت منه، بسبب “خيانته للوطن”، ولم يؤثر بالأم خبر موته. وهنا يحاول النظام من خلال تلك القصة إرسال رسالة مفادها أن من ينضم إلى الفصائل المقاتلة ضده فمصيره النبذ والموت حتماً، وأن خيارهم الوحيد هو العودة والانضمام إلى صفوف جيشه، ليتوج الابن البار المشهد بكلماته العدوانية وهو يرتدي بذته العسكرية.
وبعد هذه الحكايات “البكائية” والتي تحاول بيأس استدرار الدموع والشفقة، يتم الانتقال إلى القسم الثاني من الفيلم، الذي يبدأ بلقطات فنية، يستعرض فيها المخرج “جمال” أسماء الأسد وأناقتها وهي تقف في قصرها الفخم، وتنتقل الكاميرا لاستعراض ترحيبها ببعثة أمهات الشهداء القادمة من حلب.
وفي قاعة فخمة من قصرها، تجلس النساء بشكل دائري، بينما تقوم أسماء بالمحاضرة بالأمهات حول ضرورة الصمود والتضحية في الأزمة التي تشهدها سورية، وتشكر كل من صمد وقرر البقاء والموت في منزله وآثر أن يعرض حياته للخطر تحت القصف على أن يسافر ويترك وطنه. كما تشكر “تضحيات الأمهات بأبنائهن، واستشهادهم في سبيل تخليص الوطن من الإرهابيين”، عكس ما تقوله قنوات النظام، بأنّ تلك الأرواح هي لحماية بشار الأسد نفسه.
وبالطبع لم تنسَ أسماء أن تشكر زوجها، الذي وصفته بـ”سيد البلد على قيادته الحكيمة والممانعة”، متناسيةً أن النظام ساق أغلب مواطنيه إلى الاقتتال رغماً عن إرادتهم، وأن التجنيد إلزامي وليس طوعيا. ومتناسية أيضاً أنه جعل من سكان بعض المناطق دروعاً بشرية، ومنعهم من المغادرة وحاصرهم، إضافةً إلى التهجير القسري الذي يمارسه حتى اليوم… فأسماء الأسد، وقفت وواجهت ضحايا السياسة التي اتبعها النظام، وكأنها مندوبة عن منظمة عالمية تتحدث عما يجري بسورية بأسى وشفقة، وتنهي الخطاب بتأكيدها على أهمية دور الأمهات بسورية بالتضحية بأبنائهن في سبيل الوطن، وخدمة “أم الكل سورية”. كما تتخلل الفيلم لقطات جوية لقلعة حلب وشوارعها، تظهر فيها المدينة “خالية من الدمار”… ليُظهر إعلام النظام أنّ شيئاً لم يكن في الشهباء، بعد تهجير أهلها.
صدى الشام