يوماً بعد يوم تتطور الأحداث التي قدمتها الحرب الدامية في سورية, وتسلك دروباً معقدة لا تخلو من “المطبات” التي من شأنها أن تجعل المسارين السياسي والعسكري كخطين متوازين لن يلتقيا على الأقل في المدى القريب, خصوصاً بعد أن تشابكت خيوط المصالح الدولية في سورية, واختلفت الرؤى ووجهات النظر حول ماهية الحلول التي من شأنها إنهاء شلال الدماء النازف في البلاد منذ ما يقارب ست سنوات حتى اليوم, سيما وأن الطرف المتهم بارتكاب الجرائم ضد المدنيين السوريين “النظام السوري” لا يزال مستمراً في التعنت السياسي والتصعيد العسكري في الميدان.
مفاوضات واجتماعات وجهود مكثفة ذات صبغة دولية لحل الازمة, وعلى الأرض لا شيء جديد سوى استمرار واقع ازدياد العسكرة التي أخذت أبعاداً جديدة أحدثت تغيرات كبيرة على الصعيد السياسي خصوصاً في ملف العلاقات الدبلوماسية بين عدد من الدول الإقليمية والدولية الخارجة عن نطاق الإقليم, فالولايات المتحدة الأمريكية مستمرة في تقديم كل انواع المساعدات والاستشارات العسكرية لقوات سورية الديمقراطية, بل تطورت معها الحكاية لتقوم بإرسال مئات الجنود من مشاة البحرية الأمريكية “المارينز” على الأرض بمشاركة فرنسية أعلن عنها وزير الدفاع الفرنسي ولم تتضح حدودها وحجمها حتى الآن استعداداً للبدء بمعركة الرقة التي تستهدف إخراج المدينة من قبضة تنظيم الدولة الإسلامية, وفي الطرف الآخر تستمر كل من روسيا وإيران بدعم قوات النظام بشتى السبل ولا سيما العسكرية منها, وتحاول روسيا أن تحدث توازنا عسكريا على الأرض بنشر قواعد عسكرية لها في سورية كان آخرها في منطقة عفرين ذات الغالبية الكردية بصورة تدعو للوقوف عندها والتفكير في تفاصيلها, خصوصاً أن حزب الإتحاد الديمقراطي الكردي المسلح هو من يسيطر حالياً على المناطق التي تكون ذات طابع كثافة كردية.
الدعم الروسي – الأمريكي للأكراد في الشمال السوري يلغي فعلياً كل تلك الحسابات التي تقوم على أساس توقع خلاف في الرؤية الأمريكية والروسية لصيغة الحل السياسي في سورية نظرياً, ولكنها تظهر فيما بين السطور أن صراع النفوذ على الأرض يزداد يوما بعد يوم بشكل فعلي, فكلا الطرفان يستخدمان نفس الأداة في الشمال ولكنهما يرسمان حدود لتواجدهما في الجغرافية على الميدان.
فيما تستعر جبهات جديدة في مناطق مختلفة في سورية في هذه الفترة بعد هدوء طويل من جانب الثوار تحديداً, في حين أن النظام السوري استمر في انتهاج خطة شراء الوقت على الطاولات السياسية والتصعيد العسكري على الأرض, وبذلك يكون قد تمكن من إخراج عدد من المناطق من قبضة فصائل المعارضة العسكرية التي كانت تشكل خطراً عليه, ويضعها في سلم الأولوية من الناحية التراتبية وهذا ما حصل بالضبط في محيط دمشق وحي الوعر الحمصي.
هناك من يقول أن فتح المعارك من جانب الجيش الحر وقوات المعارضة السورية وإحراز بعض التقدمات كان في وقته المناسب, لأن الرقعة الجغرافية في الشمال باتت تعيش في ناحية تضييق وخنق وقضم شيئاً فشيئاً, لذلك كان لابد للثوار من القيام بعمل مضاد من شأنه إنقاذ ما تبقى من المناطق التي ما زالت تحت سيطرتهم, وهناك من يفسر هذا التصعيد من زاوية أخرى, باعتبار أن روسيا الداعمة للنظام وبقوة, والصانعة لاتفاق وقف إطلاق النار في “استانة” هي نفسها من تقوم بخرق هذا الاتفاق أملاً منها في الحصول على مكاسب عسكرية على الأرض لذلك فقدت روسيا مصداقيتها حتى عند القلة القليلة من فصائل المعارضة العسكرية والتي كانت تعول على تغيير جزئي وبسيط يحمل جانباً من المصداقية في الموقف الروسي إيزاء اتفاق وقف إطلاق النار واحترامه, ولكنهم انصدموا بقيام روسيا والتي تعتبر نفسها ضامناً لاتفاق وقف إطلاق النار الذي صنعته هي تقوم بشراء الوقت من أجل التضييق على الفصائل العسكرية, لذلك كانت هذه العمليات الأخيرة هي بمثابة الرد المناسب من قبل الثوار على ممارسات كل من روسيا وإيران والنظام.
فيما تنكفئ تركيا قليلاً إلى الوراء ويغيب دورها بشكل كبير خصوصاً بعد سلسلة “التحرشات” الاوروبية الأخيرة بها, ووقوعها في فخ المؤامرة الروسية-الأمريكية عن طريق فتح الباب على مصراعيه لدعم الأكراد في الشمال السوري, والقيام بلعبة عسكرية اشتركت فيها روسيا التي نسقت مع الولايات المتحدة الأمريكية في الخفاء لتسليم مدينة منبج لقوات النظام من قبل قوات سورية الديمقراطية, وقطع الطريق على قوات “درع الفرات” المدعومة من أنقرة والتي يراد من خلالها طرد حزب الاتحاد الديمقراطي من منطقة غرب الفرات إلى شرقه.
نستطيع القول من خلال بعض هذه الحقائق التي قدمناها أن الساحة السياسية وما يتبعها من ملفات المفاوضات وغيرها, هي ساحة بعيدة عن الحسابات, لأن الجميع يدفع باتجاه زيادة العسكرة والأهداف أصبحت خارج حسابات السوريين أنفسهم الذين من المفترض أن تعنيهم القضية فقط, لا غيرهم!..
المركز الصحفي السوري-حازم الحلبي.