حدث أن أُكرمت إعلاميًا بتغطية أهم حدث تاريخي ربما في النصف الأخير من القرن الماضي وهو تغطية الجهاد الأفغاني والاحتلال السوفياتي لأفغانستان ثم الحرب على ما يوصف بالإرهاب، ومن وحي لقاءات ومباحثات بوتين مع أردوغان الأخيرة، ومطالبة روسيا للأخير بتحديد المناطق والمواقع التي لا ينبغي أن تضربها في الشام، مع عرض هدنة من ثلاث ساعات في حلب فقط، بينما تستبيح إدلب والرقة وغيرها، وكأن الإنسانية الشامية هي فقط عشرين بالمائة مقارنة بإنسانية البشر كلهم، من هذا الوحي أستذكر بعض الذكريات المفيدة في هذا السياق.
وجه المقاربة والتذكر هو أنه مع رحيل القوات السوفياتية من أفغانستان عام 1989 وبدء الحديث عن اليوم التالي والحكومة التي ينبغي أن تخلف الشيوعيين عرض الرئيس الأمريكي يومها رونالد ريغان ناحتُ مصطلح “إمبراطورية الشر” عن الاتحاد السوفياتي كما كان ضياء الحق ناحت عبارة أن من يتاجر مع أمريكا يتاجر بالفحم فلن يناله منها سوى سواد الوجه واليدين، فرد ضياء الحق يومها على ريغان بالقول إن من أرشحه لحكم أفغانستان هو زعيم الحزب الإسلامي الأفغاني قلب الدين حكمتيار ومن المعروف أن الأمريكيين لم يكونوا يرغبون به لتصنيفهم إياه أصوليًا، وحين عرض ضياء الحق ما حصل بينه وبين الأمريكيين على أحد مستشاريه وهو بالمناسبة صديقي رد عليه الأخير لقد حكمت على نفسك بالقتل، طالبه ضياء الحق بالمزيد من الشرح فقال له، هذا ما يريده الأمريكيون ليعرفوا ميولكم ومن تريدون أن يحكم أفغانستان، وهوية الدولة الأفغانية التي تطمح إليها، لا سيما وأن الأمريكيين كانوا يروجون يومها أن ضياء الحق يبحث عن فيدرالية باكستانية ـ أفغانية بعد سقوط الحكم الشيوعي، وقد أبلغني حكمتيار نفسه أن ضياء الحق قال له لا أستطيع أن أعلن دولة إسلامية حقيقية في باكستان، ما لم تصل أنت إلى السلطة في كابول وأحصل حينها على عمق استراتيجي أفغاني.
لا أريد أن أقص ما حصل يومها وألصقه على ما جرى في مباحثات سان بطرسبرغ بين أردوغان وبوتين، ولكن أستذكره للتحذير فقط، فلا بوتين يؤمن اليوم أن أردوغان قد غير قناعاته، بل لديه من القناعة الكافية التي تجزم له أن أردوغان يريد أكثر مما أراده ضياء الحق من حكمتيار وأفغانستان، ولا أردوغان نفسه مقتنع أن بوتين تغير أيضًا، ولكن كل ما أحذر منه أن كشف أردوغان عن المواقع التي ينبغي عدم قصفها في حال حصوله، سيكشف حلفاءه، ويكشف معها علنًا وعلى المفضوح رجال مشروعه، وقد يعرضهم للقصف المدمر اليوم أو غدًا، ولذا لا بد من التعاطي بحذر كاف.
الغرب كشف نفسه وفضحها مع المحاولة الانقلابية الفاشلة، ولكن ما أشبه الغرب والشرق بالنسبة للعالم الإسلامي بخازوقين للأسف يقوم من واحد ليجلس على آخر، وتلك إكراهات السياسة والجيوبولتيكس، وكان الله في عون الشام وتركيا وكل بلاد الإسلام المظلومة.
ترك برس