خارطة جديدة لسوريا من دون إدلب.. مدينة منسية قديما مدمرة حديثا، بصمت دولي.
في هذ البلد ما يستحق التقاسم.. ما بين المناظر الخلابة فوق الأرض والثروات الدفينة المتنوعة في باطنها، هنا أقل بلاد العالم كوارث طبيعية والأهم من كل ذلك الموقع الجغرافي الاستراتيجي المتمثل بقلب العالم ونقطة الوصل وعصب الحياة فيه، والكلام يطول..
عبر التاريخ الطويل، منذ أن كانت تعرف باسم سوريا الطبيعية، أو بلاد الشام، شهدت سوريا حروبا وصراعات والأهم اتفاقيات وتقاسمات عدة لن نقول سان ريمو ولا سايكس بيكو ولا، ولا.. لأن كل مواطن في سوريا حفظ هذه الاتفاقيات وتواريخها وحصص الدول الاستعمارية فيها، بغض النظر عن مستواه الدراسي وشهادته الجامعية وقد يكون أميّا لكن طول أمد الصراع الدامي جعل الناس في سوريا بكبيرهم وصغيرهم يعرفون خبايا التاريخ وأحداثه.
المهم الآن كيف سيكون شكل الخارطة السورية بعد أن انتهت معاهدة سايكس بيكو وتحولت منطقة بلاد الشام والعراق إلى مناطق حرة غير مرتبطة بمعاهدات استعمارية، كيف سيتم تقاسم الحصص وعلى أي أساس (طائفي عرقي مطامعي ..)، لقد دخلت في هذا الصراع الذي بلغ عمره 5 سنوات الآن قوى عظمى عدة بدءا بالولايات المتحدة مرورا بروسيا وإيران وانتهاء بتركيا ولكل قوة هدف وغاية. (والمفارقة أن الأسد ما يزال يتحدث عن السيادة الوطنية).
تبدو هذه الأطراف للوهلة الأولى متصارعة ومن يدقق أكثر يشعر بها متوافقة، وفي الواقع إن المصالح هي سيدة الموقف مثلا:
تركيا تقتضي مصلحتها القضاء على الأحزاب الكردية كيلا تشكل خطرا على حدودها الجنوبية، هذا سيجعلها تنفذ أجندة كل دولة تلوح لها مجرد التلويح بالاعتراف أو دعم حق هذه الأحزاب بإنشاء هذه الدولة المزعومة.
إيران المعهودة بسجالاتها الطويلة مع الولايات المتحدة تتماهى معها الآن في الحرب السورية في سبيل مد النفوذ الشيعي إلى المنطقة بالطريقة المثلى التي ترضاها هي.
روسيا هي الأخرى ترغب في عدم كسر هيبتها فقد دعمت نظام الأسد من البداية وعليها الاستمرار بموقفها، إضافة إلى أطماعها الخفية، والمخفي داخل الراضي السورية أعظم، وبالتحديد منطقة الساحل السوري حيث النفط القريب من سطح الأرض ومنطقة كراجات الفارووس تؤكد هذا الأمر، دونك عن مثلث المخزون الاستراتيجي للغاز الطبيعي في المياه الإقليمية الذي تمتد قاعدته من لواء إسكندرون شمالا حتى الجنوب اللبناني جنوبا ويصل رأسه حتى قبرص غربا، إضافة إلى رغبتها بأن تعود قطبا فاعلا في السياسة العالمية من جديد والمناخ ملاءم جدا في سوريا، وبالتأكيد لن تخسر شيئا بتجريب ما تنتجه من أسلحة جديدة سواء أكانت محرمة أم غير محرمة المهم أن يتم تجريبها خارج أراضيها، وهذا ما أكده السيد بوتين عندما أكد أنه لن يجد منطقة في العالم تقام فيها مناورات عسكرية طويلة أرخص من سوريا، أو حتى التخلص من أسلحتها القديمة قبل نفاد مدة صلاحيتها التي ماتزال مخزونة في مستودعاتها منذ الحرب العالمية الثانية، تلك الأسلحة التي رفض “طلاس” التوقيع على شرائها ثلاث مرات لأنها مجرد قنابل عمياء (أشبه ببراميل النظام المتفجرة) بأسعار مرتفعة والآن يستجديها النظام وبالسعر الذي تحدده روسيا، والتحليلات هنا تطول.
أما أمريكا – عجوز الشؤم- فالمصلحة الأولى والأخيرة لها هي الفوضى الخلاقة في الشرق الأوسط التي عبرت عنها كونداليزا رايس من أيام حرب العراق، ضمانا لأمن إسرائيل وبالتأكيد هي لن تجد من يخدم مصالحها ومصالح طفلتها المدللة مثلما فعل آل الأسد على امتداد 6 قرون تقريبا.
وهكذا سنرى أن الحرب في سوريا هي بالفعل حرب عالمية مبطنة يدفع ثمنها الشعب السوري من دمه ووجوده وانتمائه لأرضه وجذوره التاريخية كما حدث في إحراق أمانات السجل المدني في القصير وغيرها.. كل ذلك إرضاء للكرملين والبيت البيض.
وبعد تهجير أبناء داريا إلينا ومن قبلهم الوعر ومعظم أحيائها الأخرى، ومن ثم المعضمية.. والله أعلم (الباصات الخضراء) ستدخل أية منطقة لاحقا، أصبحتُ أخاف من حلم يدور في مخيلتي مفاده أن إدلب (الثقب الأسود) ومجمع إرهابيي العالم بوجهة نظر تلك الدوائر تستحق أن تنتهي بها الحرب العالمية، فيكون الإجماع الدولي باستخدام السلاح النووي على شعبها، وقد يكون الإجماع الوحيد بين الاعبين العالمين ومهندسي الأزمة السورية، وتنتهي بذلك كل المشكلة وتعود سوريا كما كانت لكن بخارطة جديدة ولربما باسم جديد ل99 سنة قادمة تحت وطأة معاهدات جديدة .
شاديا الراعي – المركز الصحفي السوري