“ماما تعالي لاتخافي الحربي نفذ وخلص”، بصوت قوي وابتسامة هزمت صمت العالم، صرخ أحمد لوالدته القابعة في رواق البيت وهي تحتضن إخوته الصغار وتدمدم أدعية علها تنجيهم وتبعد عنهم غارات الطائرات التي انهالت على مدينة ادلب في ذلك اليوم.
رغم صغر سنه إلا أن الحرب أكسبته وعيا وإدراكا كالكبار، والخوف الذي من المفروض أن يكون سيد الموقف في تلك اللحظات، استبدله أحمد ذو الثمانية أعوام بالجرأة والثبات وبالأخص بعد وفاة والده منذ عام في سجون النظام، فكان يشعر أنه رجل البيت وأنه مسؤول عنهم، فتراه يركض ويقف عند الباب ويسترق السمع من “قبضة” جارهم والتي يعلو صوتها وتعمل بمجرد أن يقترب الحربي من سماء المدينة، ليعود لوالدته وينشر الأمان:” الأجواء خالية والحربي غادر سماء المدينة، ماما صار فينا ننام بدون مانخاف”.
اعتاد أطفال سوريا على أجواء الحرب وخصوصا في المناطق المحررة التي تشهد قصفا شبه يومي يترافق بمشاهد تخدش العين من أشلاء ودماء وركام المنازل المدمرة، وأحمد طفل يمثل ملايين الأطفال الذين تجردوا من مشاعر الخوف والقلق، لتقلب بذلك الموازين في سوريا، ويكون أطفالها رمزا للشجاعة وقدوة للكبار، إذ أنهم صنعوا من ظروفهم واقعا يتلاءم مع طفولتهم، ينبعث منه الأمل والتفاؤل.
يقف أحمد كعادته مع أبناء جيرانه عند مدخل البناء، ويقول لهم وضحكته تروي دون كلام ألف حكاية:” أنا مابخاف لما بتجي الطيارة، بالعكس بفرح كتير حزروا ليش، لأنو ماما بتخاف وبتاخدنا على أرض خالتي، وهنيك بننام عندن وبلعب مع ولاد خالتي، وخالو بجبلنا معو أكلات طيبة”، فيرد عليه صديقه خالد:” ونحن بابا بياخدنا على أرض جدي كتير حلوة، وبنجتمع مع ولاد عمي وبنلعب معن لعبة الجبهة، بنصف حجار الأرض الكبيرة فوق بعضا، وبنعمل مقر لحالنا وبنضرب عالطيار بس يطلع من المطار”.
يروون قصصهم في رحلات نزوحهم حتى ينقضي يومهم قبل أن ينتهوا من سرد أحداثها التي قد تختلط بعض الأحيان بمجريات من وحي خيالهم لإثراء مضمونها، وليظهروا في نهايتها أبطالا لايهابون الموت.
رغم مختلف أنواع الضغوط التي تعرض لها أطفال سوريا، سواء النفسية أو الاجتماعية وحتى المادية، إلا أنهم أثبتوا للعالم أجمع أن جيلهم سيعيد بناء سوريا الحرة، بفكرهم وقوتهم وشجاعتهم، وكأن الله أعطاهم الصبر لمواجهة الحرب وابتداع واقع طفولي يتلاءم مع براءتهم مما يتوفر لديهم.
يمسك أحمد يد والدته ليقبلها وينظر إليها نظرة تساؤل ويقول:” ماما ليش النظام قتل بابا؟ شو عمل؟ مو الواحد مابينسجن ألا إذا كان عامل ذنب كبير؟ مو أنتي هيك قلتيلي؟، تصمت والدته قليلا ثم تقول له:” والدك إرهابي يابني، خرج صباحا ليحضر لكم الخبز، ولم يعد من يومها، ذنبه أنه يعيش في بلد انعدمت الإنسانية من قلوب حاكميه.
المركز الصحفي السوري _ سماح الخالد