أمام السلطات المغربية الآن خمسة نماذج تصلح أن تكون دروساً تتعلم منها، وتزاوج بينها، لتعرف كيف تتعامل مع اختبار الـ “الطحن مو”، العبارة التي قالها المسؤول الأمني لسائق سيارة القمامة التي قفز إليها، محسن فكري، في محاولة أخيرة لينقذ أسماكه المصادرة.
أصبح للعبارة التي تعني، في اللهجة المغربية، أمراً بتدوير ماكنة طحن النفايات، بعد ساعات من إطلاقها، معنىً مختلف، حيث استخدمها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، ورفعت على لافتات وذكرت في هتافات، خلال المظاهرات التي اشتعلت في أكثر من عشرين مدينة مغربية، وما زالت امتداداتها مستمرة بعد أيام من مقتل بائع السمك المغربي، وتحاول السلطات احتواءها بكل السبل الممكنة، وقد اعتقلت متهمين بالمشاركة في قتل الشاب المغربي للتحقيق، وتدخل الملك شخصياً في القضية، وأمر بمحاسبة كل من تثبت صلته بالحادثة التي أشعلت الشارع المغربي، بعد ست سنوات على اشتعال لهيب الربيع العربي في عدد من الدول العربية. وأرسل الملك مبعوثين شخصيين عنه للمشاركة في العزاء، وفي التضامن مع عائلة الضحية. وعلى التوازي، أعلن مسؤولون حكوميون كثر، يتقدمهم وزير الداخلية، رفضهم تصرف السلطات المحلية في مدينة الحسيمة مكان وقوع الحادثة، وتشددهم في محاسبة المسؤولين.
تأتي كل هذه التصريحات والتصرفات من السلطات المغربية استفادة من تجارب خمس دول عربية، أفضت أحداث مشابهة فيها إلى سيناريوهات تفوق الخيال، وتتصرّف السلطات المغربية حتى الآن مع الحادثة بهدوء، وتحاول، بشتى السبل، امتصاص موجة الاحتجاجات. تصرفت في الأيام الأولى، كما تصرفت السلطات المصرية في الأيام الأولى لثورة يناير، أي بالحد الأدنى من التدخل، وبإطلاق المزيد من الوعود، وبسحب عناصر الأمن من أماكن الاحتجاج.
ومحسن فكري، الذي يشبّهه كثيرون بمحمد بوعزيزي، بائع الخضار التونسي، الذي أحرق نفسه احتجاجاً على إهانته من السلطات التي أرادت مصادرة بضاعته، وتسبب حرقه نفسه بهذه الطريقة في موجة احتجاجاتٍ، أدت إلى هروب الديكتاتور التونسي زين العابدين بن علي، وامتدت إلى مصر وليبيا واليمن وسورية، ولا تزال النيران التي أشعل نفسه بها مشتعلة في ثلاث دول عربية، ليبيا وسورية واليمن.
ومحسن فكري كذلك هو أطفال درعا الذين تسبب اقتلاع أظافرهم في أحد الأفرع الأمنية بمظاهراتٍ، امتدت من درعا لتشمل كل أنحاء سورية، وتؤدي إلى حربٍ توسعت وتمدّدت وتعدّد المتدخلون فيها، حتى أصبحت صورة مصغرة عن حربٍ عالميةٍ، يدفع ثمنها الشعب السوري يومياً منذ خمس سنوات ونصف السنة. ولأجل ذلك كله، تحاول السلطات المغربية الاستفادة من دروس تونس ومصر، والأكثر تريد تجنب مصير سورية واليمن وليبيا، لا سيما الأخيرة، بسبب القرب الجغرافي، وبسبب التردي الكبير في أوضاعها الداخلية، أمنياً وعسكرياً واقتصادياً.
ويأتي فوز حزب العدالة والتنمية (الفرع المغربي لجماعة الإخوان المسلمين) في الانتخابات الأخيرة، وسعيه إلى تشكيل حكومة مغربية جديدة، عاملاً مهماً في تحييد هذه الجماعة الكبيرة عن الاحتجاجات، حيث تعتبر نفسها معنيةً بالحادثة، كونها تدير حكومة تصريف الأعمال، وكونها تريد الاستقرار، لتتمكن من تشكيل حكومة وإدارة البلاد أربع سنوات مقبلة، وهي صنو الجماعة التي كان لها دور كبير في تأجيج الاحتجاجات في باقي الدول العربية، لا سيما مصر في عام 2011، بينما أعلنت بقية الأحزاب المغربية، مثل حزب النهج الديموقراطي المعارض وجماعة العدل والإحسان المحظورة، تضامنهم مع المحتجين، واستعدادهم للمشاركة في الاحتجاجات، أو تحميل المسؤولية لحزب العدالة والتنمية الذي يقود حكومة تصريف الأعمال، ويستعد لقيادة الحكومة المقبلة، حسب ما أعلنه حزب الأصالة والمعاصرة، المقرب من القصر.
المرجح أن تتمكن السلطات الغربية من احتواء هذه الاحتجاجات، وستتمكن من تخويف مواطنيها من مصير سورية وليبيا واليمن. ولكن، يجدر التذكير بأن مدينة الحسيمة كانت في العشرينيات قلب الثورة ضد الفرنسيين ونقطة انطلاقها، وكذلك كانت المدينة المغربية التي شهدت حركة احتجاجية واسعة في نهاية الخمسينيات، وعادت لتكون مركزاً للمظاهرات في عام 2011 بتأثر من أحداث تونس، ويومها لجأت السلطات لقمع الاحتجاجات بالقوة، مما أدى إلى سقوط قتلى.
حتى لو تمكنت السلطة المغربية من ضبط الشارع المغربي، فإن محسن فكري ضمن لنفسه مكاناً في تاريخ المنطقة إلى جانب بوعزيزي وأطفال درعا.
العربي الجديد – علا عباس