طالما أحببنا شجرة الأسكدنيا وتمتعنا بثمارها الشهية، زرعها الأهل في حدائقهم المنزلية كونها شجرة مثالية تخيم بظلها على فناء المنزل، وارتفاعها عن الأرض الملحوظ جعلها سوراً عازلاً بين منازل الجيران الملاصقة، كما أن ثمارها الشهية تنعش القلب وتقويه، ولونها وشكلها يسر كل عين.
تقول أم سامر من مدينة إدلب” كنت أعمد كل يوم لتنظيف حديقة منزلي بالماء وأترك صنبور الماء في حوض الزريعة كي تسقى جذور أشجار الأسكدنيا وأحتسي فنجان قهوتي مع زوجي يوميا مع حلاوة تلك الأيام ..آه.. كم أحن لتلك الأيام.. لدي رغبة بالبوح دون توقف.. “
كما تكشف جارتها أم بلال شعورا مشابها كان يختلجها ” أسعد اللحظات على قلبي حين كنت أعد مائدة الإفطار في شهر رمضان المبارك تحت ظل الأسكدنيا ولسان حال الشجرة المشوقة للأكل يقول.. أبدأ بثمراتي من أجل أن تنعش قلبك بعد عطش الصوم.. يا حسرة اليوم فمع ندرة الماء الأسكدنيا هي الأكثر حاجة للسقيا”.
مع استمرار ثورة الأهالي ضد الظلم زاد نظام بشار من قمعه لهم بقصفه المتكرر للمباني السكنية محدثاً أضراراً مادية وبشرية جسيمة، أودت بحياة كثير من الأبرياء ولم تكن أم سامر أوفر حظاً فقد فقدت زوجها عند محاولته إسعاف أحد المصابين جراء قصف طيران النظام وأعوانه لسوق الخضار المكتظ بالسكان تقول أم سامر” مع فقدان زوجي زادت معاناتي في الحياة فهو المعيل الوحيد لأسرتي الكبيرة وفي ظل هذه الأوضاع المأساوية من انقطاع للتيار الكهربائي المستمر وندرة المياه وغلاء المعيشة ..لست بخير”
يقول ميلاد (13عاماً) من ريف إدلب كنت عندما أنتهي من دوامي المدرسي أعمد مع رفاقي في طريق العودة للمنزل إلى قطاف ثمار الأسكدنيا المتدلية بغصونها نحو الشارع وصراخ أهل المنزل من الداخل يعلو “كفى يا أولاد انصرفوا..” وأعرف أن هذا الفعل يعد سرقة لكن ضحكاتنا الصبيانية تعلو بالإسراع في الهرب خوفاً من التشاجر مع أصحاب المنزل..
لقد سرقت الحرب منا تللك اللحظات، ها نحن نقطف الثمار من بيوت دمرها القصف وخلت من روح الحياة ومن أسوار المنازل التي هاجر أصحابها بعيدا …لكن لم يعد لها طعمها اللذيذ الذي ألفناه، ربما فقدت شهيتها وقدرتها على إغرائنا لقطفها من فوق أسوار المنازل؛ لأنها فقدت أصحابها فقدت صوت الابتسامات ورائحة المحبة التي كانت تكبر بهما.. قد يكون من السهل نقل الإنسان من وطنه ولكن من الصعب نقل وطنه معه..”.
بعد خروج مدينة إدلب عن سيطرة النظام العام الماضي 2015 وعودة الأهالي إليها استطاعت أم سامر لملمت جراحها وقررت العودة إلى منزلها لتعيد استمرار الحياة إليه من أجل من تبقى من أسرتها تقول أم سامر” دخلت إلى منزلي وأنا أتنفس الصعداء متحسرة على حلاوة الأيام فيه، التفت بلهفة إلى حديقة المنزل لأشتم رائحة الزرع..
سرقت عيناي الضحكة قبل قلبي شاهدت شجرة الأسكدنيا وقد امتدت نحو السور المنهار.. وتشابكت أغصانها مع أغصان شجر الجيران.. فكأن هذا التواشج رسالة لنا نحن البشر إلى التعاون والتكاتف ومساعدة بعضنا البعض الآخر لنكون مثلها.. نثمر أطيب الثمار.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد