ما عاد السوريون يندهشون لأي شيء عندما تُنكَر حقيقة معاناتهم أو عندما لا يخجل البعض من تكذيب الحقيقة، خاصة عندما يكون المتحدث هو بشار الأسد.
للسوريين مقولة “اكذب واكذب واكذب ثانية، فلابد أن يصدقك أحدهم في وقت ما”، وللأسف أن أولئك الحمقى السذج هم الذين يستهدفهم الأسد بأكاذيبه.
ففي مقابلة معه أجرتها قناة SRF1 السويسرية قال إن الصورة الشهيرة المؤلمة التي ظهرت من تحت أنقاض الحرب لم تكن سوى كذبة مفبركة، أتحدث عن صورة الطفل عمران دقنيش الذي انتشِل من تحت ركام مبنى دُمِّر وسوّي بالأرض ونُقل إلى سيارة الإسعاف ليجلس فيها ذاهلاً عما حوله معفراً بالغبار والدم. هي صورة تصدرت الصفحات الأولى من كل جريدة عالمية قبل عدة أسابيع لتعبر عن مأساة حلب. لكن الأسد بوجه خالٍ من التعبير زعم أنها صورة “مزيفة”.
زعم الأسد أن الصورة استُخدمت مرتين لتدلل على حادثتين منفصلتين، كما زعم أن مجموعة النجدة والإنقاذ التطوعية “الخوذات البيضاء” التي أنقذت عمران ما هي إلا جزء من مؤامرة متصلة بفرع القاعدة المعروف سابقاً بـ”جبهة النصرة”.
الاتهامات التي لا أساس لها والتي تُكال لمجموعة لخوذات البيضاء – مثل أنهم متواطئون مع الإرهابيين أو أنهم عناصر محرضة ضد النظام – لا تنقضي ولا تنقطع، بل مستمرة موجودة دائماً من أول الإعلام السوري الرسمي حتى عباقرة منظّري أقصى اليسار؛ بيد أن قلة قليلة هم الذين تجرأوا على الانتقاص من إنسانية أشهر ضحايا الحرب السورية.
صورة عمران
ولنلقِ نظرة سريعة على الحقائق، فصورة عمران التقطت بعد قصف جوي على حي القاطرجي في حلب في الـ17 من أغسطس/آب من هذا العام 2016. قتل وقتها 6 أشخاص وجرح 12 آخرون في القصف.
الدمار الذي حلّ بالمكان حسب الشهود العيان وحسب الحجم الذي رآه على الشاشات كل من في رأسه عينان كان دماراً ناتجاً عن صاروخ منطلق من جسم يطير في السماء. وأنا لست أول من يبين أن ما في المنطقة من قوى جوية تقصف شرق حلب، ليست القاعدة إحداها ولا المعارضة السورية ثانيتها.
لا نستغرب أبداً أن لدى الأسد الجرأة على تكذيب هذه المآسي ووصفها بالأكاذيب المختلقة. هجوم السلاح الكيماوية على غوطة دمشق عام 2013 خلف 1400 قتيل من المدنيين وأجبر النظام عبر وساطة روسية – أميركية لتسليم معظم أو كل أسلحة برنامجه الكيماوي غير المعلن. لكن بعد 3 سنوات يستمر كبار مسؤولي النظام في إنكار المأساة وإلقاء اللوم على معارضة الأسد في استخدام الكيماوي، بحجة أن المعارضة هاجمت صفها بالغاز كي تستجدي عطف الناس والعالم وتظفر بتدخل عسكري لصالحها.
لكن لعل حماقة آخر أكاذيبه تتجلى أكثر ما تتجلى في أن زوجته نفسها دحضتها. أسماء الأسد التي وصفت في أكثر من مناسبة بأنها تعيش على المريخ لأن تصريحاتها تتناقض حتى مع قوانين الفيزياء نفسها قالت البارحة لقناة الدعاية الروسية الرسمية “روسيا اليوم” محاولةً أن تعقد مقارنة أخلاقية عادلة بين جرائم زوجها وبين انتهاكات حقوق الإنسان على يد أعدائه: “ولماذا لم يحظَ مصير أطفال زهراء بالتغطية الإعلامية نفسها التي حظيت بها مآسي الطفلين إيلان وعمران؟ (حيث إيلان هو إيلان الكردي صاحب الصورة الأخرى الشهيرة من العام الماضي الذي جرفت جثته أمواج المتوسط إلى سواحل تركيا). إن كانت أسماء نفسها تسلّم بأن ما جرى لعمران مأساة، فكيف لزوجها أن يزعم أن ما جرى “زيف وبهتان”؟
تكثر الأخطاء في الأنظمة الاستبدادية طوال الوقت، ولعل زوجة بشار لم تكن على علمٍ بالمؤامرة الحقيقية التي تحوّل رمز المعاناة السورية إلى سيناريو أكذوبة “جهادية” إرهابية. أما الأسد فالأمر عنده سيان، فهو الذي نجا من الإطاحة به، وهو الذي لم ينله سوى النزر اليسير من العقوبة لاستخدامه غاز السارين في قلب عاصمته، وها هو الآن عازم على البقاء في السلطة حتى أكثر من أوباما نفسه. إن كانت أكاذيبه قد سندته وأوصلته إلى هنا طيلة 5 سنوات، فلماذا التوبة الآن؟
موقع هافينغتون بوست