كشف تقرير لوزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون” عن قصور في متابعة ومعرفة أوجه استخدام أسلحة يقدّر ثمنها بالملايين من الدولارات تمّ توجيهها إلى العراق في إطار برامج التدريب والتسليح.
ويشهد العراق فوضى سلاح عارمة تساهم في تعقيد أوضاعه الأمنية. وكثيرا ما ظهر السلاح الأميركي بيد تنظيم داعش الذي غنم كميّات هامّة من مراكز ومخازن وثكنات القوات العراقية التي انهارت وتراجعت أمام زحف التنظيم على مناطق البلاد صيف سنة 2014 وما بعده.
وظهر السلاح ذاته بكميات أكبر وبأنواع لا تُستثنى منها حتى الأسلحة الثقيلة، بيد العشرات من الميليشيات الشيعية المنخرطة في الحرب ضدّ داعش، حتى قبل الإعلان الرسمي عن اعتبار تلك الميليشيات قوات حكومية خاضعة شكليا لإمرة القائد العام للقوات المسلّحة، ما يوفّر غطاء لتسليحها من مخازن الجيش والشرطة، وتمويلها من ميزانية الدولة.
غير أن الميليشيات لا تكتفي باستخدام ما تحصل عليه من سلاح أميركي وغيره، في قتال داعش، بل توظفه في حماية قادتها والسيطرة على مناطق نفوذها، وحتى في عمليات الخطف والاعتقال التي تمارسها خارج نطاق القانون، سواء لغايات مادية أو لتصفية حسابات حزبية وطائفية.
كما تستخدمه أيضا في مواجهة القوات الحكومية ذاتها على غرار ما حدث مؤخرا في شارع فلسطين شرقي العاصمة من اشتباك بين عناصر حاجز أمني تابع للشرطة ومسلّحين من ميليشيا عصائب أهل الحق أسفر عن مقتل ضابط وجندي من قوات الشرطة.
وينطوي وجود السلاح الأميركي بأيدي الميليشيات الشيعية على مفارقة، تتمثّل في كون تلك التشكيلات الطائفية المسلّحة موالية بشكل كامل لإيران وتقاتل وكالة عنها في إطار حرب النفوذ في العراق التي تعتبر الولايات المتحدة طرفا فيها.
وساهم تكديس الأسلحة بشكل عشوائي في العراق، جرّاء تتالي الحروب التي شهدها، وكثرة المتدخّلين في جلب الأسلحة ونشرها بشكل عشوائي، في حدوث فوضى سلاح ستظلّ عصية عن الضبط لسنوات قادمة وستستمر حتى بعد الانتهاء من الحرب ضدّ داعش، حيث لا تبدو الحكومة العراقية ممتلكة للرغبة، وأيضا للقدرة على انتزاع السلاح من أيدي الميليشيات التي تقودها شخصيات قوية يفوق نفوذها سلطة الحكومة بحدّ ذاتها، فضلا عن أن بعض تلك الشخصيات جزء من النسيج الحكومي.
وتقول منظمة العفو الدولي، إن الجيش الأميركي عاجز عن تحديد مكان وجود كميات هائلة من الأسلحة والمعدات العسكرية بقيمة تتجاوز مليار دولار، تم إرسالها إلى العراق خلال السنوات الماضية، محذّرة من أنّ جزءا من هذه الأسلحة ربما وقع بأيدي مسلحي تنظيم داعش.
واستندت المنظمة في معلوماتها إلى تقرير داخلي لوزارة الدفاع الأميركية، رُفعت عنه السرية، وتضمّن نتائج الفحص الحكومي لحسابات البنتاغون لعام 2016
الذي بيّن عدم وجود سجلات دقيقة بشأن طريقة توزيع الأسلحة والمعدات التي ترسلها الولايات إلى العراق، وحول أماكن تواجدها في الوقت الراهن، والاكتفاء باستخدام سجلات ووثائق مكتوبة يدويا، بدلا من اعتماد نظام آلي مركزي للجرد والتوثيق.
وتؤكّد ذات المنظمة وجود تقصير أميركي موثّق في الرقابة على توزيع الأسلحة والأجهزة داخل القيادة العسكرية العراقية، مشيرة إلى أنّ “هذه المشكلة ليست جديدة، إذ كان فحص الحسابات عام 2015، قد كشف عن مشاكل مشابهة”، لافتة إلى أنّ “البنتاغون سبق أن تعهد للكونغرس بتشديد إجراءات الرقابة على الأسلحة المورّدة للعراق”.
وذكرت العفو الدولية، أنّ إرسال المساعدات العسكرية للعراق يتم عبر صندوق تجهيز وتدريب الجيش العراقي الذي قدم في سنة 2015 وحدها أسلحة وأجهزة بقيمة 1.6 مليار دولار لدعم القوات العراقية في القتال ضد تنظيم داعش”.
وحسب بيانات المنظمة، شملت المساعدات عشرات الآلاف من البنادق الهجومية وقذائف المورتر إضافة إلى سيارات هامفي المصفحة. كما أشارت المنظمة إلى أنّ انتحاريي داعش يستخدمون عربات من هذا الطراز بشكل دوري لتنفيذ تفجيرات انتحارية.
وسواء انتهى السلاح الأميركي وغيره إلى يد تنظيم داعش أو إلى أيدي الميليشيات التي تحاربه، فإنه سينتهي في المحصّلة الأخيرة موجّها إلى صدور العراقيين الذين لا تبدي غالبيتهم تفاؤلا بالانتقال إلى مرحلة من الأمن والاستقرار بعد حسم الحرب على داعش الذي يسير إلى نهايته، حيث لم يعد التنظيم يسيطر سوى على جيوب صغيرة ومعزولة في محافظات صلاح الدين وكركوك ونينوى والأنبار.
لكن ما يقلق شرائح واسعة من العراقيين، أن الحرب التي أضعفت داعش، قوّت الميليشيات في المقابل وأتاحت لها خبرات عسكرية جديدة ووضعت بيدها كميات هائلة من السلاح، بل أتاحت لها سيطرة ميدانية على العديد من المناطق التي لا تزال تحتلّها وتصرّ على الاحتفاظ بها.
العرب اللندنية