انشغل كل من كتب عن زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب للعراق بالتباكي على السيادة العراقية أو الحديث عنها، واصفا هذه الزيارة بأنها كانت ثلما لسيادة العراق، وكيف أقامت الزيارة قيامة الميليشيات الإيرانية في العراق، من دون أن يفطن إلى أن النظام السياسي الحالي في العراق، ومنذ مجلس الحكم، يعيش حالة انعدام وزن في السيادة والاستقلال تحت هيمنة ثنائية القطب أميركية وإيرانية.
هل أدرك أولئك السادة الذين كتبوا عن زيارة ترامب أن العراق، في ظل تسلّط حكامه الحاليين، منزوع الإرادة ولا يملك قرارا مستقلا؟ وإذا أرادوا دليلا على ذلك فسيقوم بدل الدليل الواحد ألف دليل، ومنها استباحة واشنطن، التي لقواتها كامل الحرية في التواجد على التراب الوطني، والأمر نفسه يصدق على اختراق طهران للحدود الوطنية وحرية حركة الحرس الإيراني في الدخول والخروج من دون أي إذن مسبق، وهناك الآلاف من الإيرانيين الذين يزورون العراق ومن دون تأشيرة رسمية، وبين الحين والآخر يندفع مئات الألوف من الإيرانيين عبر بوابات الحدود من دون تأشيرات ومن دون رسوم، ويطيب لهم المقام في العراق فيمكثون من دون أن يسائلهم أحد.
انظروا إلى قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، الذي يمتلك حرية التجوال في عموم البلاد، ودققوا النظر في تدخلات السفيرين الأميركي والإيراني، وسيظهر لكم أن مجيء ترامب إلى البلاد هو تحصيل حاصل لجمهورية الفوضى الدينية.
حينما أحرج رئيس الوزراء العراقي السابق حيدر العبادي بأسئلة عن تجول قاسم سليماني بين القوات العراقية أجاب إجابة تنطوي على تفريط واستهانة بالسيادة العراقية فقال: إن سليماني مستشار في الحكومة العراقية! فكيف يكون قائد عسكري في دولة أجنبية مسؤولا في دولة أخرى؟
لا علاقة أبدا لزيارة ترامب إلى العراق، بهذه الصفة الخارجة عن القواعد الدبلوماسية المتعارف عليها بين الدول، بموضوع السيادة، لأن الحكومات الست، التي جاءت بعد احتلال العراق، لا شأن لها أصلا بموضوع السيادة، فمسؤولوها موظفون لدى الإدارتين الأميركية والإيرانية وأسطورة السيادة لن تساوي وزنها ترابا لديهم. ونحن لم نسمع، يوما أن أيا من الطرفين تقدم بمذكرة دبلوماسية إلى الخارجية العراقية يطلب فيها السماح له بدخول الأجواء الوطنية العراقية. ومثلما دخل ترامب فقد دخل قبله الرئيسان الأميركيان جورج بوش الابن وباراك أوباما ونزلا في قاعدة أميركية أو في سفارة بلدهما وأرسلا في طلب المسؤولين العراقيين، لكن المفارقة أن أحدا لم يتحدث عن أسطورة السيادة، وقتها، فلماذا يحق لبوش وأوباما ما لا يحق لترامب؟
فسر لي هذه المفارقة ناجي صبري الحديثي وزير الخارجية العراقي الأسبق، بقوله إن ترامب تجاهل حكام النظام تجاهلا تاما بعدم المرور بالعاصمة وبعدم لقائهم، كما أهانهم حينما قال إن فريق حمايته اتخذ إجراءات احترازية شديدة جدا بإطفاء أنوار الطائرة تماما وإغلاق نوافذها وإنه كان خائفا على حياة زوجته. وقد أفصح بهذا عن موقف خطير وهو أن الحكومة الأميركية فقدت الثقة تماما بقدرة النظام الحاكم على بسط الأمن والنظام، وأن الفوضى تضرب أطنابها في العراق، ولذلك حرص ترامب على الوصول بهذه الصفة تفاديا للمخاطر في العاصمة!
لا يمكن تفسير تصريحات بعض أحزاب السلطة والميليشيات الإيرانية وتهديداتها والصخب الذي أحدثته، بعد زيارة ترامب إلا أنها للاستهلاك المحلّي، وإلا من يجرؤ من حكام مستوطنة الفوضى الدينية على قول (لا) لسيد البيت الأبيض ولممثلي الولي الفقيه.
ثم ها هو رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون، يصل إلى العراق على متن طائرة شحن أسترالية هبطت في معسكر التاجي شمالي بغداد، الجمعة، يرافقه قائد القوات الأسترالية، في زيارة لم يعلن عنها مسبقا، حسبما أفاد مصدر حكومي عراقي.
وأيضا لم يلتق موريسون أي مسؤول عراقي، وسبقه في هذا الفعل مسؤولون إيطاليون وبريطانيون، بل إن قطعات عسكرية كاملة أميركية أو إيرانية باتت تدخل إلى العراق من دون علم بغداد، فالعراق أضحى من دون أسوار.
نقلا عن صحيفة العرب