“الله يرحمو مات” هذه العبارة في مناطق النظام وتحديدا في دمشق، تعتبر مصيبة من نوع خاص لسامعيها، فالميت السوري رحلته مع النظام لا تنتهي بانتهاء حياته، بل ترافقه حتى بعد موته بموافقات وإجراءات أمنية في كثير من فروع النظام، للسماح لأهل الميت الوصول لمكان الدفن، هذه الإجراءات تستغرق يومين، بالإضافة لدفع مبالغ مالية لتسريعها.
“الساعة 1 ظهراً، الجو حار جداً وكثير من المراجعين في فرع الأمن “قسم مكافحة الإرهاب”، يصف خالد حاله بعد وفاة والده في منطقة الصالحية في حي الشيخ محي الدين، الواقع على ضفاف نهر يزيد في العاصمة دمشق، فبسبب ظروف الحرب أجبر النظام المواطنين على إحضار موافقة لاستكمال إجراءات التشيبع والدفن، قدم خالد طلب موافقة “للصلاة على روح الميت ” ليسأله رجل الأمن “فيك تضمن أنو ما يصير شي ؟!” فأجابه خالد :”أصغر واحد فينا رح يكون عمرو فوق 50 سنة “يبتسم رجل الأمن ويعطيه تصريحا للصلاة وإخراج الميت للمقبرة القريبة من المنطقة .
تتباهى أم جوزيف وهي مسيحية من مدينة حمص في حديث لصحيفة “الشرق الاوسط “، بأن ابنها قد صنع لها تابوتاً أنيقاً منذ ثلاث سنوات قبل ارتفاع أسعار التوابيت في مدينة حمص بشكل جنوني، وقد كلفها أكثر من 300ألف ليرة سورية أي حوالي 1000 دولار فتقول بكل فخر :”خبأ ابني التابوت في الورشة بعد تغليفه بعناية ..الآن أصبح سعره أضعاف ما كان عليه ” وختمت حديثها :” أتمنى أن أدفن في مدافن حمص رغم تعرضها للقصف أكثر من مرة “.
بالعودة إلى دمشق العاصمة فقد اعتاد سكانها أسعار القبور المرتفعة ليواجهوا مشكلة أخرى قلة القبور مع ارتفاع عدد الذين يدفنون كل يوم، ففي تحقيق أجرته “العربي 21” في مناطق مختلفة من دمشق أوضح “فيصل المزاوي” الذي يملك محلاً لتجارة القبور :”إن سعر القبر الواحد في باب شرقي يبلغ قرابة 2مليون و800ألف إذا كان يحتوي على سجل قيد عقاري، وفي منطقة المهاجرين يبلغ قرابة 4 ملايين ليرة، وفي القابون مليون ونصف، فسعر القبر يعود إلى قرب المنطقة من مركز العاصمة وكونه مسجل كسند تمليك أو كسجل قيد عقاري بطابو رسمي “.
في الحرب لم تنحسر العادات المتبعة في موت أحدهم، ففي دمشق يقام العزاء إما في بيت المتوفى أو يتم استئجار صالة لتوافد الأقارب والأصدقاء للعزاء، بعد توزيع “النعوة” وهي ورقة مكتوب عليها اسم الميت وسبب وفاته وموعد الدفن، إلا أن الأمن منع على جميع المطابع كتابة سبب الوفاة، والاكتفاء بتحديد مكان العزاء، ليقيم أهل المتوفى وليمة على روحه، التي تثقل كاهل أهله، في ظل ظروف اقتصادية صعبة.
“أوصي أولادي حين موتي أن أدفن في حديقة المنزل ” يكررها يوميا أبو ماجد موظف مقيم في دمشق، لمعرفته حجم المعاناة التي تواجه أهل الميت، ومعرفته أن الدولة تعطي بعد وفاه الموظف نصف مليون ليرة سورية إلا أنها لا تغطي حتى ربع ثمن القبر، فكان الحل الدفن في الحديقة .
يسخر السوريون على الحال الذي وصل إليه الميت على مواقع التواصل الاجتماعي ، فالمواطن السوري مغلوب على أمره في حياته وحتى بعد مماته في ظل ظلم وإجحاف النظام المسيطر عليه، دون إيجاد صيغة تحفظ له حقه في حياته أو حتى بعد موته.
أماني العلي
المركز الصحفي السوري