ينطلق التحرّك الروسي حيال الأزمة السورية من تطلّع الساسة الروس للقيام بدور وسيط، يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين أطراف الأزمة، لكن حيثيات تحركهم مشدودة إلى طرف النظام، وتحاول إعادة تأهيله وتلميعه، بالنظر إلى الدعم العلني الذي قدمته روسيا إلى النظام السوري، وعلى مختلف الصعد، منذ بدء الثورة السورية.
ولا تبتعد حيثيات التحرك الروسي عن فرضية، مفادها أن النظام والمعارضة وصلا إلى نهاية الطريق في الأزمة، وأن حالة من الاستعصاء باتت تسود الوضع، بعدما تبيّن أن قوات النظام غير قادرة على استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية، ما يعني أن النظام لم يعد يحكم كل سوريا بالمقابل فإن المعارضة أيضاً أضحت غير قادرة على الاحتفاظ بجميع المناطق الواقعة تحت سيطرتها، أمام هجمات النظام من جهة، وهجمات التنظيمات المتطرفة، خاصة «جبهة النصرة»، وتنظيم «داعش» من جهة أخرى، الأمر الذي يقتضي توحيد جهود المعارضة والنظام للوقوف بوجه التنظيمات والمجموعات الإرهابية.
ويبدو أن أسباب التحرّك الروسي تتلخص في محاولة روسيا العودة إلى المشهد السياسي الدولي، عبر بوابة الأزمة السورية، وذلك بعد أن بقيت على الهامش، ولم تلتحق بالتحالف الدولي والعربي في الحرب على داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية.
ويعي الروس أن الولايات المتحدة الأميركية منخرطة في الحرب على تنظيم «داعش» ومنشغلة في هذه الحرب بوصفها أولوية قصوى لديها، وعدم وجود أي تصور لدى الإدارة الأميركية لحل الأزمة السورية خاصة بعد انهيار مفاوضات جنيف-2، التي كان لموسكو دور كبير في إفشالها.
ومع طول أمد الأزمة، بدأت روسيا تشعر بالإنهاك والتعب، خصوصاً بعد الهبوط الحاد لأسعار النفط وتأثيرها، إلى جانب العقوبات الاقتصادية الأميركية والأوروبية على الاقتصاد الروسي، الذي انعكس في صورة أزمة خانقة وانهيار سعر الروبل، وبالتالي لم تعد موسكو قادرة على تحمّل التكلفة الباهظة لدعمها اللامحدود للنظام السوري، خاصة إمداده المستمر بالسلاح.
وأظهرت حصيلة التحرّك الروسي، أن الساسة الروس يهمهم التركيز على الشكل من دون الاهتمام بمضمون ما يطرحونه، بل إن غموضاً مريباً يعتري مضمون الحوار الذي يتحدثون عنه، فلا شيء عن مسائل الحوار وقضاياه، ويربطون كل شيء بموافقة الطرفين، وهو مبدأ أدى إلى إفشال مفاوضات جنيف 2، إذ كان وفد النظام يرفض مناقشة أو طرح هيئة الحكم الانتقالية كاملة الصلاحيات، فيما رفض وفد المعارضة التركيز فقط على قضية محاربة الإرهاب التي كان يصر على بحثها وفد النظام، وساندته في ذلك الوقت موسكو.
غير أن الطروح الروسية تظهر أن التحرك الروسي هو في صالح نظام الأسد، الأمر الذي يفسر موافقته على المشاركة في المؤتمر التشاوري بعد أن اطمأن إلى مختلف التفاصيل، خاصة مصير رأس النظام الذي تصر كل من روسيا وإيران على بقائه، وتعولان على أطراف في معارضة الداخل واستعدادها للدخول في حوار مع النظام، والموافقة على حلٍّ شكلي يهدف إلى إعادة الشرعية التي فقدها النظام، ويتجسد في صفة حكومة تشارك فيها المعارضة مع النظام، ولا مانع في أن تتولى رئاستها شخصية معارضة، شريطة قبولها بقاء الأسد في الرئاسة.
ويجد هذا السيناريو وجاهة في تأكيد موسكو للمعارضة السورية، أن مسألة بقاء الرئيس بشار الأسد أو رحيله «لن تُناقش» خلال لقاء موسكو، وأن اللقاء التشاوري فيها يدخل في سياق استمرارية الحوار الوطني، حسبما ورد في نص اتفاق جنيف-1.
ويبدو أن الساسة الروس يسعون إلى التركيز على الحوار الوطني الوارد في اتفاق جنيف1، ويسقطون من حساباتهم أهم ما ورد في الاتفاق، وهو تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات بما يعني تخلي الأسد عن سلطاته لها.
ويظهر من طريقة الدعوات التي سلمت إلى المعارضة السورية أنها دعوات شخصية وليست دعوات إلى الكيانات السياسية التي ينتمي إليها المدعوون، وتخلط بين المعارضة التي أوجدها النظام، وتعمل تحت كنفه وبين المعارضة التي تطالب بإسقاطه.
وتأخذ أطراف في المعارضة الروسية على التحرّك الروسي بأنه تحرّك يشوبه الغموض، وفقدان الرؤية الواضحة، خصوصاً، في ما يتصل بالمسائل الأساسية التي لا يمكن من دونها الحديث عن مبادرة مثل عدم وجود ضمانات جدية، لجهة التزام موسكو بحمل النظام السوري على تنفيذ ما قد يتفق عليه، وفقدان الأطروحات الروسية للتصور العملي للمرحلة الانتقالية التي لا يمكن تصور حل سياسي من دونها. يضاف إلى ذلك خوف المعارضة من سعي روسي إلى تهميش الائتلاف، وتقوية الجماعات المعارضة المرتبطة بموسكو.
ومع محاولات روسيا الوقوف في وجه أي حلّ يفضي إلى نهاية نظام الأسد، فإنها تسعى جاهدة إلى لقاء بعض رموز المعارضة السورية الذين راح بعضهم يحلم بأن شمس الخلاص السوري قد تشرق من موسكو. وهذا مستحيل، لأن قادة الكرملين هم داعمون أساسيون لنظام الأسد في حربه الكارثية ضد غالبية الشعب السوري.
ويبقى أن قادة روسيا لم يسهموا في حل أية قضية في العالم، سواء في زمن الاتحاد السوفيتي المندثر، أم في زمن ما بعد اندثاره، وبرهنوا على أنهم قادرون على تخريب وعرقلة طموح الشعب السوري في التغيير والعيش من دون ظلم.
العرب القطرية