عدة أيام مضت على بدء الأزمة السياسية – الدبلوماسية بين عدد من الدول العربية والخليجية من جهة, ودولة قطر بقيادة الأمير “تميم” من جهة أخرى, وليس هناك مؤشرات جدية تشير إلى حل قريب وعاجل لهذه الأزمة, بل على العكس, تتزايد حدة وحرارة التصريحات المتبادلة التي تغلق النوافذ الصغيرة يوما بعد يوم, التي يتوقع انفراج الأزمة منها , فالسياسة التي اتبعتها الدول المقاطعة لقطر باتت تقترب من أسلوب الحصار الخانق, والمطلوب هو وقف قطر عن تمويل ما يسمى “بالإرهاب”, أو بالأحرى ما تسميه الولايات المتحدة الأمريكية, خصوصاً بعدما أعلن ذلك الرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” بالفم المليء..
وهنا بالذات بدت هذه التصرفات التي تقودها السعودية والإمارات ومصر, هي أشبه بالتصرفات العبثية المنبثقة من قرارات اتخذت في البلاط الأمريكي لأسباب متعددة وكثيرة تراها واشنطن, وربما تكون حجر الزاوية الأساس في مشروعها الجديد..
المقاطعة الخليجية لقطر أفرزت العديد من الأزمات السياسية والإجتماعية والإقتصادية, حتى أن العديد من المراقبين السياسيين صنوفها تحت بند “الحصار الشامل”..
الأكثر تضرراً حتى الآن “قطاع الغاز القطري المسال”!:
تواجه قطر تكاليف عالية لبيع إمداداتها من الطاقة لزبائن في آسيا وأوروبا، في الوقت الذي تحاول فيه الدول العربية عزل الدوحة، الأمر الذي يعقّد عملية الشحن لهذه الدولة، التي تعتبر أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم.
وعلى الرغم من أن تصدير قطر من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال يستمر، إلا أن السماسرة والتجار يقولون إنه يتعين عليهم البحث عن موانئ جديدة لتعمل بها سفنهم، بعد أن منعت الإمارات العربية السفن التي لها علاقة بقطر من استخدام مياهها.
وتعتبر الفجيرة، أكبر مركز لشحن النفط الخام في الشرق الأوسط، كما أنها محطة توقف طبيعي للسفن القطرية التي تشحن الغاز الطبيعي والنفط أثناء خروجها من الخليج العربي. ونجم عن ذلك إجبار قطر، العضو في منظمة أوبك، على حجز محطات توقف طبيعية جديدة في جبل طارق وسنغافورة ومراكز تزود أخرى بالوقود، وذلك حسبما ذكره السماسرة، الأمر الذي ربما تنتج عنه زيادة في التكاليف، وتأخير في تسليم الشحنة.
ولكن اضطراب عمل الشحن لايزال محدوداً جداً حتى الآن، بالنظر إلى أن السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين، لا تريد مزيداً من تصعيد الأزمة أكثر، عن طريق تعطيل شحنات الطاقة التي جعلت قطر أكثر دول العالم ثراء من ناحية دخل الفرد. وقال الرئيس الدولي لاستراتيجية السلع في أسواق “ر ب سي كابيتال” هيليما كروفت، “لا نعتقد أن الأزمة الحاصلة ستشكل خطراً مباشراً على أمن الطاقة المحلي، كما أنه من غير المرجح أن تقوم مصر بإغلاق قناة السويس أمام ناقلات السفن القطرية، وحتى الآن فإن الجهود التي تدفع باتجاه تعطيل شحن تصدير النفط والغاز القطري سيكون تأثيرها ضعيفاً”. وحتى الآن لم يتأثر سعر النفط كثيراً نتيجة هذه الأزمة في الخليج على نحو كبير، إذ إن خام برنت، الذي يعتبر معياراً دولياً لايزال سعره تحت الـ50 دولاراً للبرميل، وهو في سياقه الصحيح من الهبوط في الجلسة السادسة على التوالي.
لكن معظم المحللين يتوقعون أن قطر سترى هذا العمل بمثابة إساءة لنفسها. وعلى الرغم من أنها عاشر منتج للنفط في “أوبك” من حيث ضخامة الإنتاج، إلا أن شحناتها الضخمة من الغاز الطبيعي المسال، وهو ما يميزها عن الدول الأخرى المنتجة للطاقة في الخليج، مرتبطة تماماً بأسعار النفط.
وقالت مصادر حكومية من الكويت، التي تتوسط لرأب الصدع بين قطر وجيرانها من دول الخليج، إن قطر ظلت ملتزمة بتخفيض الإنتاج سواء داخل “أوبك” أو خارج “أوبك”، وهي لا تنتج أكثر من 1.8 مليون برميل يومياً. وهذا الاتفاق الذي كانت قطر طرفاً أساسياً فيه تم تمديده لتسعة أشهر أخرى، قبل نحو أسبوعين من الآن. وقال محللون من “معهد جي بي سي” للطاقة في فيينا “لا نرى أسباباً قوية للقلق حتى هذه اللحظة على اتفاق الطاقة الذي تقوده (أوبك)، ولايزال نافذ المفعول حالياً”.
ومع ذلك، فإن التوترات في الخليج تؤدي إلى أضرار صغيرة للنظام الاعتيادي لتجارة الطاقة في المنطقة. وقالت “وكالة سي آند بي غلوبال باتس”، التي تقيّم أسعار النفط من أجل التجارة، إن النفط الخام القطري سيتم استثناؤه من نافذة التجارة في الشرق الأوسط، بسبب التعقيدات الناجمة عن قيود الشحن التي فرضتها الدول الخليجية.
أزمة الغاز المسال التي بدأت تلوح بالأفق هي البداية فقط من خطة الحصار الجزئي الذي طبقته دول الجوار على قطر, ومع تقدم الأيام واستمرار الازمة, ستولد هذه المشكلة مشاكل اقتصادية أخرى أمام حكومة دولة قطر, التي أعلنت انها ترحب بالحوار لكنها لا تتنازل عن ثوابتها..
فهل ستنتهي الأزمة بين الأشقاء, أم إنها البداية لدخول حكومات الخليج العربي في دوامة الحروب التي تنتظرها إيران بفارغ الصبر؟!
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.