لقد لفت عبور ما يقرب 700 ألف لاجئ إلى أوروبا عبر تركيا واليونان انتباه الدول الاوربية إلى ضرورة الاهتمام أكثر ببوابتها الشرقية تركيا التي تستضيف ما يقرب من 2.5 مليون لاجئ سوري وعراقي وتتحمل عبء مصاريفهم وحدها، وعكست هذه الحالة امكانية تركيا في ان تترك هذه البوابة مفتوحة على مصراعيها لتغرق اوروبا باللاجئين ولتهدد ايضا استمرارية اتفاقية “الشنغن” القائمة على اساس حرية حركة الاشخاص والبضائع بين الدول الاوربية.
تردد أوروبي
منذ ان قدمت تركيا طلب الانضمام للمجموعة الاوربية عام 1987 ومن ثم بدء مفاوضات الانضمام في 2005 وحتى سنتين مضت، والمفاوضات بين تقدم وجمود، اضافة الى معارضة بعض الدول الاوربية لانضمام تركيا مثل المانيا وفرنسا وقبرص.
واسباب هذا الاعتراض عديدة منها الهوية والجغرافيا، إذ لا تنظر دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي إلى تركيا بوصفها دولة أوروبية، باعتبار أن الجزء الأكبر من مساحتها يقع في القارة الآسيوية، كما أن عدد سكانها سيجعل منها ثانية دول الاتحاد الكبرى حال قبول عضويتها، فضلاً عن توقعات بأن تتجاوز ألمانيا خلال سنوات قليلة، الأمر الذي سيعطيها -وهي البلد المسلم- أغلبية في البرلمان الأوروبي، ويجعلها دولة مؤثرة في توجيه وتحديد سياسات الاتحاد الذي تعتبره دول كثيرة نادياً مسيحياً.
كما أن اليد العاملة التركية -الكبيرة العدد والزهيدة الأجر- تخيف عددا من الدول الأوروبية بقدر ما تخيفهم احتمالية غرق أسواقهم بالبضائع التركية. واخيرا السياسة الخارجية حيث يقف خلاف تركيا مع كل من اليونان وأرمينيا حجر عثرة أمام قبولها في الاتحاد، حيث تضع الأولى “فيتو” على عضوية تركيا لموقفها تحديداً من القضية القبرصية، أبرز ملفات الخلاف بين البلدين.
فتور رغبة تركيا بالانضمام
ظهر تراجع في اندفاع تركيا نحو ملف انضمامها للاتحاد قبل تفاقم موضوع اللاجئين لعدة اسباب، فأنقرة لم تعد محتاجة لمعايير الاتحاد الأوروبي لاستخدامها كأداة لتعديلاتها القانونية التي مكنتها من تحجيم دور الجيش في السياسة التركية بعد أن أنجزت هذه المهمة. ومن جهة أخرى، فأن طريقة تعامل الاتحاد مع هذا الملف قد أورث الحكومة التركية ضجرا انعكس نقداً له، لا سيما على لسان رئيس الجمهورية الذي قال “بعد كل هذه السنوات، فليقبلونا أو فليرفضوا”.
وكذلك اختلاف ظروف تركيا وعناصر قوتها الداخلية والخارجية -لا سيما الاقتصادية-وبالتالي مدى حاجتها للاتحاد الأوروبي، اختلافاً جذرياً اليوم عما كانت عليه حين قدمت طلب العضوية، إذ تبدو الآن غير لاهثة خلفه، وهو ما يعكسه تصريح وزير شؤون الاتحاد الأوروبي وكبير المفاوضين الأتراك فولكان بوزكر في 2013 بأنه “إذا ما اتخذ الاتحاد الأوروبي قرارا خاطئا برفض عضوية تركيا؛ فلن يهمها أو يضيرها ذلك كثيرا”.
تغيّر المعادلة
باشرت بعض الدول الاوربية مثل سلوفاكيا والنمسا وألمانيا بإعادة فرض رقابة على الحدود في مواجهة تدفق المهاجرين معلقين بحكم الأمر الواقع العمل باتفاقية “شنغن” لحرية التنقل في أوروبا واوقفت فرنسا العمل بفيزة الشنغن.
وطُرحت بداية العام الحالي، فكرة تعليق العمل بحرية الحركة بين دول الاتحاد المعروف بنظام الشنغن لمدة عامين وذلك بموجب إجراءات الطوارئ، في وقت حذر رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس من أن أزمة اللاجئين والمهاجرين قد تدمر الاتحاد الأوروبي برمته.
وقالت نتاشا بيرتود، المتحدثة باسم رئيس الاتحاد الأوروبي جان كلود يونكر “هذه الاحتمالية قائمة، والمفوضية مستعدة لاستخدامها عند الضرورة”.
وفي هذا السياق أعلن معهد (ثينك تانكر) للدراسات الاستراتيجية، وهو معهد خاص بالاقتصاد الفرنسي، في الثالث من هذا الشهر أنه “إذا تقرر وقف العمل بنظام شنغن، فإن التكلفة الاقتصادية ستكون باهظة، كما أن التجارة بين دول منطقة اليورو، ستتقلص إلى 10% مما هي عليه الآن، فضلا عن خسارة متوقعة في الناتج الأجمالي المحلي الفرنسي، التي يمكن تقديرها بأكثر من 10 مليار يورو (10.97 مليار دولار) سنوياً”.
وأضاف التقرير أن “إجمالي خسائر الدول الأعضاء في منطقة الشنغن (26 دولة)، ستتخطى الـ 109 مليارات دولار، كما أن انهيار الاتفاقية، سيؤدي إلى تراجع الاتحاد عن مشروعه الأوروبي على المستويين السياسي والاجتماعي.”
وعكست نتائج قمة بروكسل التركية الاوربية في بروكسل 29 ديسمبر 2015 تغيّر الموقف الاوربي تجاه عضوية تركيا فانتهت القمة بوعد أوروبي بثلاثة مليارات يورو لمساعدة أنقرة في احتواء تدفق المهاجرين إلى أوروبا، وبتسريع المفاوضات القائمة لتسهيل منح المواطنين الأتراك تأشيرات أوروبية. والتزم القادة الأوروبيون أيضاً بإحياء مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وقال الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند عند بداية القمة التركية الاوربية ” ان اوربا تحتاج للتعاون التركي في مسألة اللاجئين والازمة السورية.
وفي هذا الصدد ايضا قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان: “إن استقرار وأمن الغرب وأوروبا يتوقف على أمننا واستقرارنا لقد قبلوا الان هذا الأمر. في المحادثات التي جرت في بروكسل الأسبوع الماضي أقروا بهذا الامر. لا يمكن حدوث هذا الاستقرار دون تركيا وبالتالي لماذا لا تنضم تركيا للاتحاد الأوروبي؟”.
وأخيرا، إذا كانت قوانين توسع الاتحاد الاوربي وفيتو بعض دوله هي عقبة امام انضمام تركيا للاتحاد فان المخاطر التي تواجه اتفاقية الشنغن وتحديات امنية متمثلة بمخاوف انتقال الارهاب الى دولها، ستدفع اوروبا نحو منح تركيا وضع خاص كعضوية غير مباشرة او افتراضية ظهرت ملامحها بإعفاء الاتراك من تأشيرة الشنغن اعتبار من أكتوبر 2016 واحياء مفاوضات الانضمام المتوقفة منذ سنتين.
المصدر:تركيا بوست