عندما كنت في المرحلة الابتدائية قرأت عن علامات الساعة الصغرى في كتاب التربية الدينية وكانت من ضمن تلك العلامات أن الإنسان من عظم الفتن سينقلب في اليوم الواحد من الإيمان إلى الكفر سواء في الرأي أو العقيدة، ولكن بعقل الطفلة كنت أفكر في ذلك كثيرًا كيف يحدث ذلك كيف يمكن للإنسان أن يكون متقلبًا إلى هذا الحد؟ لم يتقبل عقلي تلك الفكرة التي أصبحت عادة الآن لدى معظم الناس.
ولكن عندما كبرت وظهرت تلك البروباجندا في كل شيء وتلك الفرق الكثيرة المحدثة لكل تلك الفتن وكل فريق يريد أن ينتصر مرتديًا سلاح البروباجندا لمعتقداته، ومع ظهور تلك العولمة وتلك القنوات الكثيرة التي نجلس أمامها وتجعلنا نتخلى عن جزء التفكير وتشغيل جزء التلقي فنتلقى تلك البروباجندا المشتعلة التي لا تهدأ في وقتنا هذا، ففي تلك الساعة ننظر بأعين متجمدة لتلك القناة مستمعين إلى فرقة من الفرق ومن كثرة تكرارها للحدث ووجهة نظرها نحكم بأننا معها، فلتغير القناة يا هذا واستمع إلى تلك البروباجندا التي تعلنها الفرقة الثانية ومن كثرة تكرارها نعلن بالولاء لها، في كلتا الحالتين كان يجب أن لا نسلم الآذان والعقول لتَيْنِك الفرقتين لأن الذي يسير وراء الآخرين يحكم كما يحكمون يتكلم كما يتكلمون متخليًا عن هذا العقل الذي منحه الله إياه ليتفكر لكي لا يحكم حتى يرى بعينيه ويسمع بأذنيه، فهذا لا يكون إلا إمعة يسير وراء الشيطان ديكوي شيطان الوهم والتضليل كما مثلته رواية أرض السافلين غير مكلفين أنفسنا أن نشغل ولو قليلًا جزء التحليل والتفكير في كل حادثة أو كل خبر كتلك الحوادث التي قلبت حياتنا رأسًا على عقب، لكانت رأت أعيننا الحقيقة وكنا أنقذنا أنفسنا من تلك المتاهات التي نسير الآن تائهين فيها، لم لا نكون كأصحاب الأقنعة في تلك الرواية نحلل كل حادثة ونفكر فيها لكنا أنقذنا المظلوم وحاسبنا الظالم، لكنا أنقذنا أنفسنا من لعنات الظلم التي ستلحق بنا نحن من سلمنا أنفسنا لتلك البروباجندا ونصرنا الظالم على المظلوم، فتلك البروباجندا تستطيع أن تخبرك بأن أشياء مستحيلة قد حدثت وأنت سوف تسلم بها لأن البروباجندا سلاحها التكرار؛ تكرار الخبر على أكثر من لسان ولم يعد الخبر على الألسنة فقط مع ظهور كل تلك التكنولوجيا الحديثة التي زادت من تمكين العولمة وداء البروباجندا.
عالم الإعلام الذي سافرت إليه من خلال تلك الرواية وكيف كانت طريقة الكاتب في التحليل والتفكير في كل حادثة أحدثت ضجيجًا عالميًا وصار وراءها العالم أجمع كالغنمة كما وصفهم الكاتب في الرواية وأعطى للظالم فرصة بقتل وتشريد الأبرياء بالملايين ونحن ننظر وتخلينا عن هؤلاء المظلومين ولم نكتفِ بذلك أيضًا بل أخذنا نلقي بالتهم الباطلة على المظلومين مسلوبي الحقوق والحقائق، فلنقل إن البروباجندا لم تذهب بالعقول بل إنها تعطل العقل وقتًا ما وما أن نذهب عنها نستعيد جزء التفكير فلا يجب أن نعطيها الحق بأن تعطل عقولنا ونكذب كل شيء حتى نرى بأعيننا ولنحارب كل شياطين الوهم والتضليل ولا نقبل بأن نكون إمعة، بل إن لنا عقولًا تفكر يجب أن نستخدمها حتى نعطي كل ذي حق حقه فهناك الكثير من القضايا صدقنا عليها وما كان يجب أن نسلم بها. كم من أرواح ذهبت جزافًا من وراء تلك الخدع فهؤلاء الأبرياء ستظل لعنات أرواحهم الطاهرة تخنقنا ولن يحيا العالم بسلام طالما نسير بمبدأ الإمعة والغنمة وراء تلك البروباجندا. ألم يحن الوقت لنتفكر يا أولي الألباب؟
ايمان درويش – ترك برس