حققت «قوات سورية الديموقراطية»، بدعم أميركي، انتصاراً كبيراً على تنظيم «داعش» في مدينة منبج، يوازي في حجمه وأثره على مستقبل التنظيم الإرهابي في سورية، الخسارة التي تعرض لها في العام الماضي في تل أبيض وكوباني (عين العرب)، على يد المقاتلين الأكراد، وبدعم كذلك من سلاح الجو الأميركي.
خسارة منبج تعني عملياً، بالنسبة الى «داعش»، أن طرق إمداداته الى الرقة، «عاصمته» في سورية، أصبحت مقطوعة، كما أن طرق وصول مقاتليه عبر الحدود التركية ما عادت متاحة. وسيكون صعباً على التنظيم تعويض هذه الخسارة، من الناحية الاستراتيجية، إلا في حالة انقلاب كبير في موازين القوى لمصلحته، يصعب تصور حصوله في ظل المعطيات الحالية.
انتصار «قوات سورية الديموقراطية» في منبج، يعني أنها أصبحت رقماً صعباً في أي ترتيب مقبل للوضع في سورية. كما أصبحت رقماً صعباً بالنسبة الى رجب طيب أردوغان والحرب التي يخوضها مع الأكراد، في بلاده وخارجها. فإذا كانت الأزمة السورية قد استأثرت بالاهتمام من قبل المثلث التركي – الإيراني – الروسي، خلال لقاءات هذا الأسبوع في موسكو وانقرة، فإن التطورات الميدانية جاءت تعاكس أحلام ومشاريع المثلث المذكور، وخصوصاً ما يتصل بما ذكر عن تفاهم تركي- إيراني على مواجهة التنظيمات الكردية في شمال سورية، وعن حرص روسي- تركي- إيراني على دعم «وحدة الأراضي السورية»، الذي صار شعاراً يخفي شكوكاً في جديته أكثر مما يعلن ثقة في إمكان المحافظة عليه.
ففي ما يتعلق بالوضع الكردي على الحدود السورية التركية، يعني انتصار منبج تكريساً لنفوذ القوات الكردية هناك، على عكس ما تشتهي أنقرة، التي تنظر الى كل التنظيمات والأحزاب الكردية، في داخل تركيا وخارجها، على انها فصائل تابعة لـ «حزب العمال الكردستاني». أما في ما يتصل بوحدة الأراضي السورية، فقد صار صعباً ضمان هذه الوحدة في ظل النظام الحالي، وعلى عكس ما تأمله موسكو وطهران، وما تحاولان إقناع أردوغان به، بعدما أخذ يبديه من انقلاب على مواقفه السابقة في شأن ضرورة رحيل بشار الأسد عن الحكم كشرط لإنهاء الحرب السورية.
غير أن الأهم من هذا وذاك، هو أن الحرب على «داعش» خرجت من يد ورعاية أطراف المثلث الروسي- التركي- الإيراني، هذا إذا كانت هذه الأطراف جادة أساساً في هذه الحرب. فسواء في منبج أو قبلها في حلب، كان الفضل في المكاسب التي حققتها المعارضة للولايات المتحدة من خلال دعمها الأطراف التي تتقدم على الأرض على حساب «داعش».
يطرح كل هذا سؤالاً عن موقع الرئيس التركي من الحرب على التنظيم الإرهابي، بعد التحولات الأخيرة في تحالفاته، والتقارب الظاهر مع كل من موسكو وطهران، كرد فعل انتقامي على المواقف الغربية من الانقلاب العسكري الفاشل. فإذا كان «داعش» قد نما وترعرع في ظل النظام السوري، ليخدم نظرية «مواجهة الإرهاب» التي رفعها هذا النظام شعاراً لتبرير قمع المعارضة، منذ الأيام الأولى للثورة عليه، فإن من الصعب أن تُحمل على محمل الجدّ أي محاولة للقضاء على هذا التنظيم من خلال التحالف مع الجهات التي كانت سبباً في قيامه ونموه، الى أن تحوّل الى الخطر الذي يشكله اليوم على المنطقة وعلى العالم بأسره.
خلاصة القول، إن أردوغان لا يستطيع أن يكون في أحضان حلفاء الأسد، وفي الوقت ذاته معارضاً لبقائه في الحكم، كما لا يستطيع أن يكون في حرب مع «داعش» (كما يقول) ومع من يحاربون «داعش» في الوقت ذاته. ولا تكفي حجة الانقلاب الفاشل لتفسير كل هذه التناقضات.
الحياة – الياس حرفوش