لا شك أن هناك اختلافًا جذريًا، ومواقف متناقضة جدا بين كل من روسيا وتركيا اتجاه الأزمة السورية العتيدة، ابتداءً من مصير بشار الأسد وحاشيته، مرورا بالقضية الكردية، والدعم الروسي بكل أشكاله للنظام وحلفائه بشكل واضح وصريح ومساعدته على قتل الشعب، في الوقت الذي تدعم فيه تركيا فصائل المعارضة السورية التي تقاتل النظام ولو بشكل خجول ولا يرقى لمستوى الدعم الروسي للنظام، حيث أن لكلا الطرفين مصالحه وأولوياته في سوريا، كل هذه التناقضات وغيرها تؤثر على الزخم الذي أعطي للقمة التركية الروسية وما قد تتمخض عنه من نتائج واتفاقيات سواء على مستوى البلدين أو على المستويين الإقليمي والدولي.
ونظرا لإدراك الطرفين عمق الاختلاف في المواقف ووجهات النظر إزاء الأزمة السورية لذلك فقد جرى بحث الأزمة بعيدا عن الإعلام في قاعة مغلقة، وضمن حلقة ضيقة جدا خلال القمة الروسية التركية، حيث اشترك فيها ستة فقط أشخاص وهم أردوغان وبوتين، ووزيري خارجية البلدين، وكل من مدير الإستخبارات التركية، ورئيس هيئة الأركان العسكرية الروسية؛ وتركز النقاش في الأزمة السورية على النقاط الخمس التالية:
1– عدم التفريط بوحدة الأراضي السورية.
2– العمل على وقف الأعمال القتالية.
3– إيصال المساعدات الإنسانية بكافة أشكالها للمدنيين.
4– السعي لوضع خطة متكاملة للإنتقال السياسي ترضي كل الأطراف.
5– الموقف من القضية الكردية وأبعادها الإقليمية والدولية.
كل هذه النقاط تم طرحها بشكل جاد وصريح خلال القمة، وإن من نافلة القول أن لدى الطرفين تصور مسبق أنه لاولن يمكن حل القضية السورية حلا عسكريا، وأن الولايات المتحدة والدول الغربية غير آبهة وغير جادة بإيجاد حل للأزمة، وأن الوقت قد حان لوضع حد لها ولو على المدى القريب أو المتوسط، وأن على الدول الإقليمية الأخرى المؤثرة والمتأثرة أن تبادر لذلك، ولا سيما السعودية، وإيران، وقطر وغيرها من الدول التي وصلتها ارتدادات الزلزال السوري، وها هو رئيس هيئة أركان العسكرية القطري في تركيا، وزير خارجية إيران يبادر هو الآخر لزيارة أنقرة خلال الساعات القادمة، ومن الجدير بالذكر أنه ولأهمية الأزمة السورية بالنسبة للطرفين فقد تم في اليوم التالي لانتهاء قمة أردوغان – قيام وفد تركي رفيع المستوى يمثل الجيش والاستخبارات التركية بزيارة موسكو، مع الأخذ بعين الإعتبار أنه تم الإتفاق خلال القمة على تشكيل لجنة تركية روسية مشتركة مختصة بالشأن السوري وتتألف هذه اللجنة من رئاسة الأركان والخارجية والاستخبارات التركية ونظرائهم من الجانب الروسي.
رغم الموقف التركي الثابت من شخص بشار الأسد، إلا أن خذلان تركيا من قبل شركائها في حلف الناتو سواء كان الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الغربية في كثير من القضايا الإستراتيجية بالنسبة لتركيا اعتبارا من أزمة إسقاط الطائرة الروسية، وصولا إلى محاولة الإنقلاب الفاشل، مرورا بدعم شركائها في الحلف الأطلسي للعدو اللدود المتمثل في الفصائل المسلحة الكردية، مما دفعها لللعبة خلط الأوراق من جديد، وجعلها تعيد النظر في كثير من الأولويات والتحالفات، وعلى ما يبدو أن الجانب الروسي هو الآخر غير من أولوياته وتحالفاته لأسبابه المعروفة لذلك حاول اقناع الجانب التركي بضرورة الحفاظ على مؤسسة الرئاسة في سوريا باعتبار أنها الوحيدة الباقية من المؤسسات السيادية في سوريا والتي يمكن الاستفادة منها في مرحلة الانتقال السياسي وحلحلة الأزمة التي طال أمدها.
أول الغيث قطرة
رغم كل التحفظات التي يبديها المراقبون هنا وهناك والتشكيك في النوايا الروسية، ورغم مابدا من التصعيد العسكري الروسي على الساحة السورية، وإعلان موسكو نيتها توسيع وزيادة وجودها في قاعدة حميميم العسكرية في الساحل السوري، علاوة على الزخم الإعلامي الكبير لقمة أردوغان – بوتين وما تلا هذه القمة من تصريحات تركية تحمل في طياتها شيئًا من التفاؤل، إذ أنها وحدت هدف الدولتين إزاء الوضع السوري ولو اختلفت الوسائل بينهما، ويمكن القول أن مفاعيل هذه القمة ونتائجها العملية على الأرض تبدو سريعة أكثر من غيرها من القمم والمؤتمرات التي عقدت بهذا الشأن منذ اندلاع الثورة السورية، وأن ثمارها نضجت بسرعة تنم عن جدية الطرفين في أخذ زمام المبادرة في هذه الأزمة ويمكن القول أن الساعات والأيام القليلة التالية للقمة جاءت بالنتائج التالية:
1– إغلاق مكتب ممثلية الإدارة الكردية الذاتية في موسكو قبل يومين من القمة.
2– وصول وفد متخصص ورفيع المستوى من رئاسة الأركان والإستخبارات التركية إلى موسكو للقاء نظرائهم من الجانب الروسي للحفاظ على وتيرة العمل الجاد لحل الأزمة السورية.
3– فتح قناة اتصال مباشر بين رئاسة الأركان العسكرية التركية والروسية متخصصة بمتابعة الوضع العسكري في سوريا وتبادل المعلومات الإستخبارية داخل سوريا.
4– رغم أن معركة حلب في أوجها إلا أن الطائرات الروسية ذهبت بعيدا لتضرب أهدافا أخرى في تدمر، مما دفع النظام وحلفاؤه إلى التشكيك بالموقف الروسي.
5– اشتراك الطائرات التركية بالعمليات العسكرية مباشرة في سوريا مما قد يمكنها من ضرب داعش وأهداف أخرى تصل إلى الفصائل الكردية المتواجدة على الحدود التركية.
6– إعلان هدنة روسية لمدة ثلاث ساعات يوميا لإدخال المساعدات للمدنيين في حلب.
قد تبدو هذه النتائج متواضعة وخجولة إلا أنه يمكن الاستدلال من خلالها على جدية الطرفين لتفعيل ماتم التوصل إليه في القمة التركية الروسية، وكان وزير الخاجية التركي جاويش أوغلو قد أعلن أن محادثات القمة الروسية التركية في بطرسبورغ نجحت في التوصل إلى اتفاق بشأن آلية مشتركة لدعم التسوية السورية، أما الرئيس الروسي بوتين فقد قال أن لدى الطرفين هدفا مشتركا وسنبحث عن حل يرضي جميع الأطراف – السورية طبعا…
مع ما ظهر من الجانب التركي من روح المبادرة وحسن النوايا كان على الجانب الروسي أن يكون متجاوبا ومتناغما مع هذا الموقف التركي الإيجابي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المصالح العليا للدول هي التي تحكم العلاقات فيما بينها، لا سيما المصالح الاقتصادية والاستراتيجية وتحقيق الاستقرار السياسي والأمني لدى الجانب التركي خاصة، وبسبب هذه المصالح المتبادلة والمشتركة قد يصبح عدو الأمس صديق اليوم، وصديق الأمس عدو اليوم، وإن غدا لناظره غريب…
محمد شيخ ابراهيم – خاص ترك برس