قلة من البلدان تحظى فيها الأجندة السياسية بزخم مشابه لمثيلتها في تركيا، وهذه صعوبة ناجمة عن كون أنقرة فاعل نشط في منطقة حافلة بالاضطرابات والفوضى.
وكأن مشاكل الحرب الداخلية في العراق وسوريا لم تكن تكفي، حتى اندلعت الآن أزمتا قطر والمسجد الأقصى، وهما من القضايا التي تتطلب مبادرة تركية مباشرة. كما أن مساعي تركيا منذ قرابة أربع سنوات من أجل تحقيق الأمن والاستقرار غيرت طبيعة التحالف التركي مع البلدان الغربية.
وكمثال على ذلك، استهداف الساسة الألمان تركيا بشكل مباشر عبر التلويح بـ “العقوبات الاقتصادية”، واعتبار رئيس أركان الجيش الأمريكية أن منظومة صواريخ إس-400، “مثيرة للقلق”.
وبينما تتجه تركيا إلى اتنخابات عام 2019، تجد نفسها في مواجهة تحديات داخلية وخارجية. فهناك من لا يريد لتركيا أن تخرج من مرحلة انعدام الوزن التي بدأت عام 2013.
وفي المقابل تجري الاستعدادات لسباق الانتخابات الرئاسية التي ستحدد أول رئيس للجمهورية التركية بالنظام الرئاسي. ويمكننا أن نشتشرف 4 تحديات ستواجه تركيا خلال المرحلة القادمة:
1- محاكمات المنتمين لتنظيم غولن
2- وجود حزب الاتحاد الديمقراطي، ذراع حزب العمال الكردستاني، في سوريا والعراق.
3- قضية اللاجئين السوريين
4- قوانين الانسجام مع النظام الرئاسي
تتضمن القضايا الأربع المذكورة أعلاه مخاطر يمكن أن تضع الاستقرار الداخلي والنمو الاقتصادي والعلاقات مع الغرب في أزمة.
ولنبدأ بالقضية الأولى، تعتبر العواصم الغربية مكافحة تركيا لتنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني وجبهة حزب التحرير الثوري الشعبي انتهاكًا لـ “حرية الفكر- التعبير” و”حقوق الإنسان” عوضًا تقييمها في إطار “مكافحة الإرهاب”. وهذا يمثل مشكلة رئيسية.
تلويح برلين بالعقوبات الاقتصادية ومناقشة الاتحاد الجمركي، بعد توقيف مواطن ألماني في تركيا، واحتمال تعميم ذلك على بقية بلدان الاتحاد الأوروبي أمران يثيران القلق بخصوص مستقبل علاقات تركيا مع الغرب. الخطر هنا هو إدخال تركيا وهي تتجه إلى انتخابات 2019، في أزمة اقتصادية من خلال العقوبات.
لنأمل أن تخفف الدبلوماسية الاقتصادية من تحامل برلين على أردوغان، لكن على تركيا أن تكون مستعدة لعقوبات محتملة من أوروبا.
التحدي الثاني هو إمكانية تحول مكافحة حزب العمال الكردستاني في شمال سوريا والعراق إلى تحريض جماعي في الداخل التركي. ينبغي على أنقرة أن تحسب جيدًا كيف سيرد حزب العمال الكردستاني داخل تركيا وفي العواصم الأوروبية، إذا نفذت تركيا هجومًا على عفرين أو مكان آخر. يجب ضبط المعادلة الإقليمية- المحلية لهجوم محتمل على الحزب يمكن أن يثير أزمات جديدة في العلاقات مع الولايات المتحدة.
التحدي الثالث يمكن أن يتمثل في التحريض ذو الصبغة “القومية” ضد اللاجئين السوريين في تركيا. ولا بد من أجل الحيلولة دون ذلك من اتباع سياسة تكامل مخطط لها، وإدارة الرأي العام.
التحدي الرابع هو احتمال نقل حزب الشعب الجمهوري معارضته لقوانين الانسجام مع النظام الرئاسي، إلى الشارع. قد تتجه الأوساط التي لا تريد انتخاب أردوغان رئيسًا للجمهورية وفق النظام الجديد، إلى إثارة التحديات الأربعة المذكورة من خلال أزمة اقتصادية. ويتوجب على المؤسسة السياسية أن تكون يقظة تجاه هذه المخاطر.
قيادة أردوغان الفعالة والتوعية السياسية للشرائح الاجتماعية المختلفة ستكون المحرك الرئيسي لتجاوز التحديات آنفة الذكر. لكن لا بد أيضًا للمؤسسات التركية من الرؤية الاستراتيجية والتنسيق والاستعداد للأزمات.
ترك برس