“تجري الرياح بما لا تشتهي السفن”، هذا مايحدث مع السوريين وبالأخص الطبقة الفقيرة والذين يقطنون في الخيام شبه المهترئة، وعلى قوارع الطرقات، وكأن فصل الشتاء أحب أن يزيد من معاناتهم ويعاند إمكانياتهم المحدودة التي بالكاد تصل لدرجة إطعام أبنائهم مما تؤمنه لهم المنظمات الإغاثية الإنسانية والتي لا تتعدى الخبز وبعض البقوليات والمعلبات، ومع حلول موجة الصقيع فإن حياتهم مهددة بكارثة قد لاترحم ضعفهم وقلة حيلتهم.
استيقظ ساكنو المخيمات صباحا على وقع الصقيع أو ما يسمى باللهجة السورية “الصبرة” لتغلف مسكنهم المتواضع والمصنوع من النايلون والذي لايرد البرد ولا يستر الخيبات، وكأنهم يعيشون في العراء.
وبأيد يكاد يختفي لونها من شدة البرد استيقظ عامر وتوجه كعادته ليلقي نظرة من باب المخيم ليكتشف أنه ملتصق ببعضه نتيجة الجليد الذي تشكل مع تدني درجات الحرارة لأدنى من معدلاتها، فحاول تحطيمه ليتمكن من الخروج، لكن ورغم تجمد جسده النحيل فرح برؤية أذناب الصقيع المتشكلة على حواف حبال الغسيل في محيط الخيمة، غير آبه بما سيحل عليهم إذا استمرت هذه الموجة لأيام إضافية.
وتحولت قطرات الندى المتجمعة على النباتات وأوراق الأشجار لطبقة جليد بلورية، فتقول والدة عامر وهي تقطن مع عائلتها في إحدى مخيمات ريف ادلب الجنوبي:” معاناتنا لا تقتصر على تأمين حطب للتدفئة، بل تعدت ذلك إلى المياه التي نستعملها للاحتياجات اليومية والتي تتحول لجليد فنضطر لإذابتها في مستوعبات على النار ومن ثم استخدامها، لا أعلم لأي مرحلة يمكننا الصبر على هذه المعاناة، وإلى متى ستبقى هذه الخيام مسكننا، نحن لانريد من العالم أن يشفق لحالنا، أو أن يواسينا بعبارات مؤسفة، نريد حلا جذريا يعيدنا لبيوتنا التي هجرنا منها عنوة، ويعيد لنا كرامتنا التي سلبت منا في سبيل دعم نظام مجرم لايرحم”.
ومع لجوء السوريين في الشمال السوري المحرر لوسائل تدفئة بدائية وغير آمنة وتهدد حياتهم وفي مقدمتها المازوت الأسود المكرر بطرق بدائية والذي يحتوي على نسبة عالية من الغاز ما يهيئ الفرصة لانفجاره عند تجمعه، فضلا عن الكاز فقد وجدوه وقودا اقتصاديا مع انتشار مدافئ مخصصة لتشغيله، فالليتر منه يعمل لمدة تتراوح بين 6إلى 8 ساعات، وسجلت إصابة عائلة بأكملها في مدينة ادلب يوم أمس الثلاثاء إثر انفجار مدفأة الكاز بوجه الابنة واشتعال حريق في الغرفة ماتسبب بإصابتهم بحروق خطيرة وتم نقلهم إلى مشفى في تركية ليتلقوا العلاج نظرا لعم وجوده في مناطقهم.
عام تلو الآخر ومأساة السوريين تتضاعف وتتشابه بأبعادها عليهم ورغم آمالهم بحلول قريبة، ونصر كاد أن يقترب لكن ما لبث أن تلاشى في ظل تخاذل قادة الداخل ومسؤولو الخارج، لتبقى خيام أولئك الخائبين وصمة عار على جبين العالم أجمع.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد