عاشت روسيا تطورات هامة مع قدوم الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” إلى سدة الحكم؛ فقد طورت علاقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع العالم الغربي. وأدى الارتفاع المفاجئ لأسعار النفط والغاز الطبيعي إلى حدوث طفرة اقتصادية سريعة بروسيا وذلك لسيطرتها على مصادر الطاقة لدول حوض بحر قزوين والخطوط التي تقوم بتوصيل هذه المصادر إلى العالم الغربي.
الحروب الروسية بالمنطقة واستخدامها لمنطق القوة المفرطة…
هذا وكلما أحست روسيا بقوتها كلما زادت لديها المطامع الاستعمارية الراكزة في مكوناتها الجينية؛ فقد احتلت روسيا باستخدامها المفرط للقوة وبممارساتها اللاإنسانية دولة الشيشان. وزادت من ضغوطها الغاشمة على جمهورية داغستان ومنطقة شمال القوقاز في ظل صمت تام للعالم الغربي الذي كان يظن أنه يسيطر عليها.
ولقد قادت روسيا ما يعرف باسم “الثورات البرتقالية” في الدول التي انفصلت عن الاتحاد السوفيتي ضد حكومات هذه الدول الموالية للغرب. وقامت في 2008 بتوجيه ضربة عسكرية ضد جورجيا بحجة قيام جورجيا بعملية عسكرية ضد منطقة جنوب أوسيتيا؛ الأمر الذي تسبب في إعلان هذه المنطقة الحكم الذاتي والاستقلال عن دولة جورجيا. كما تسببت أيضًا في إنفصال منطقة أبخازيا التام عن جورجيا والاعتراف بها كجمهورية مستقلة في نفس العام.
ولقد تسبب هذا الصراع بين روسيا وجورجيا في تغيير الموازيين الدولية؛ لدرجة أن أي دولة أصبح بإمكانها الهجوم علي دولة أخرى والسيطرة علي جزء من أراضيها. وقد أدى موقف الدول الغربية في دعوة هاتين الدولتين إلى التفاوض لتسوية النزاع فيما بينهما بدلًا من تدعيمها لدولة جورجيا؛ إلى تقوية شوكة روسيا في المنطقة والعالم بشكل كبير.
فلقد انتفضت روسيا بشدة ضد محاولة ضم أوكرانيا للنظام الغربي. واحتلت منطقة القرم في ليلةٍ واحدة. وأعقبت ذلك باستفتاء لضم منطقة القرم إليها، وقدأتاحت نتيجة القبول الكاسحة في هذا الاستفتاء ضمها لهذه المنطقة دون أن تطلق رصاصة واحدة. ذلك الأمر الذي قابلته الدول الغربية بفرض عقوبات اقتصادية علي روسيا متحاشيةً بذلك الدخول في حرب معها.
وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية التي واجهتها روسيا نتيجة العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الدول الغربية عليها وانخفاض أسعار النفط العالمية، إلا أنها لم تتخذ أية خطوات إلى الوراء. بل حرضت علي قيام مظاهرات عارمة في منطقتي “لوهانسك ودونتسيك” بأوكرانيا ودعمت المجموعات المسلحة بهما. وشرعت في إصدار جوازت سفر روسية لسكان هاتين المنطقتين مثلما قامت بذلك مسبقًا في منطقتي “أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا”.
وأخيرًا وليس آخرًا تحالفت روسيا مع نظام بشار الأسد وقامت بنشر قوات عسكرية في أماكن هامة بسوريا، وبدأت في إعادة تشكيل خريطة المنطقة بالشكل الذي يتوافق مع مصالحها بحجة دعم التحالف الدولي الذي كونته أمريكا لمحاربة داعش بالمنطقة. وعززت من تعاونها مع إيران والعراق وجماعة حزب الله اللبنانية. كما تحاول تعزيز هذا التعاون الآن مع تنظيم حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي.
الاتفاقيات والتحالفات الجديدة لروسيا في العالم…
تحاول روسيا بعقدها لحزمة من الاتفاقيات الأمنية المشتركة استمرار تعزيز التواجد العسكري لها في دول “روسيا البيضاء وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان”. وتحاول في نفس الوقت من خلال “الاتحاد الإقتصادي للدول الأوروآسيوية” فرض هيمنتها الاقتصادية على هذه الدول.
ويأتي هذا بشكل متواز مع استعداد منظمة شنغهاي الدولية للتعاون – والتي تترأسها الصين وروسيا وتضم كلًا من أوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان – لتقوية شوكتها بانضمام دولتي الهند وباكستان إليها. وتكوين حلف دولي مضاد لحلف الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.
ولعل هذة الخطوات السياسية الخارجية التي تقوم بها روسيا في أطار أيدولوجيتها الأوروآسيوية الجديدة تعد مؤشرًا واضحًا على ركضها خلف أحلامها في السيطرة العالمية؛ ومن ثم تسعى لعقد تحالفات واتفاقيات تعاونية جديدة لتوسيع منطقة نفوذها من المحيط الهادي وحتي البحر الأبيض المتوسط.
وتشير التطورات إلى إستمرار روسيا في توسعاتها العالمية؛ فهي تسعى عن طريق دولة إيران إلى بسط نفوذها على منطقة دول الخليج ذات الأغلبية السكانية الشيعية. ومن المحتمل أن تزيد من ضغوطها علي دولتي آذربيجان وجورجيا. وستحاول تقسيم تركيا عن طريق حروب الوصاية ودعم تنظيم بي كي كي الإرهابي.
وختامًا؛ فإننا نرى أن روسيا تقوم أثناء ركضها وراء مطامعها التوسعية في العالم بتضييق حبل المشنقة الملفوف حول رقبتها من خلال العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وسينتهي بها الوضع إلى سقوطها المفاجئ مثلما كانت عليه الشاكله في الحرب الباردة السابقة.
ترك برس