ماذا سيحدث لو خسر بوتين الحرب في سوريا؟ سؤال طرحه الكاتب دومينك تيريني في مجلة “ذا أتلانتك مونثلي”، وناقش فيه قائلا: “نشرت روسيا في أيلول/ سبتمبر مقاتلات في سوريا لإنقاذ النظام المريض لبشار الأسد. وهدف فلاديمير بوتين إلى حماية ما تبقى من حلفاء موسكو، وتحقيق نفوذ في المفاوضات السياسية حول إنهاء الحرب الأهلية السورية. وصور الإعلام الروسي العملية بأنها محاولة بطولية لإنقاذ العالم المتحضر من الإرهاب الإسلامي”.
ويضيف تيريني أنه ينظر إلى بوتين، خاصة في الولايات المتحدة، على أنه يخوض في مستنقع، بحسب مجلة “إيكونوميست”، التي قالت: “لو وافق المراقبون للوضع في سوريا على شيء، فهم متفقون على فشل الحملة الروسية التي ساعدت قوات الأسد على تحقيق بعض التقدم الثانوي، وستشجع في هذه الحالة روسيا للتخلي عن حرب الوكالة، وسيكون ذلك بالتالي دفعة قوية للعملية السلمية التي تدعمها الأمم المتحدة ومحادثات السلام، التي يرعاها وزير الخارجية جون كيري، والتي تهدف إلى استبدال الأسد بحكومة انتقالية العام المقبل”.
ويتساءل الكاتب قائلا: “السؤال هنا، هل ستكون خسارة بوتين خبرا جيدا؟ ففي الوقت الذي يمكن أن ترضي فيه الأفعال التافهة لبوتين في سوريا رغبة المراقبين لسوريا، فإن هزيمته هناك لن تحقق السلام”.
ويجد تيريني أنه “من السهل بالتأكيد رؤية أن التدخل الروسي في تراجع، وفي الأسابيع القليلة الماضية حقق النظام بعض التقدم حول مدينة حلب، ولكن الوضع الاستراتيجي لدمشق لا يزال بشكل عام غير ثابت. ففي العام الماضي تكبد النظام السوري خسائر فادحة، واعترف رئيس النظام السوري بشار الأسد وبشكل علني بحالة (إجهاد) أو (قلة المصادر) المتوفرة لدى الجيش، الذي انسحب من مواقع لا يمكن الدفاع عنها، للدفاع عن مواقع مهمة لا تزال ضمن ما تبقى من الدولة السورية، التي لا تمثل سوى نسبة واحد من ستة. ومن هنا فإن المقاتلات الروسية لا تكفي لتحقيق النصر، وهناك حاجة إلى عشرات الآلاف من القوات للسيطرة من جديد على الرقة وحلب”.
ويشير الكاتب إلى أن “روسيا في وضع خطير دوليا، وهي معزولة، ويعاني اقتصادها من اضطرابات، ولهذا فقد غمر بوتين نفسه في المجهول. والمشكلة الأخرى هي أن موسكو لا تمتلك خبرة في تنسيق العمليات العسكرية مع سوريا وإيران وحزب الله، فهذه أول عملية عسكرية روسية في الخارج منذ نهاية الحرب الباردة، كما أن بوتين وضع آماله كلها على ديكتاتور عاجز، فالتعذيب الذي مارسه الأسد والبراميل المتفجرة كانا وراء الجحيم في سوريا، بالإضافة إلى أنه يخوض حربا بالوكالة مع رعاة المعارضة في سوريا، مثل تركيا ودول الخليج، التي قد تقوم بتعزيز الدعم العسكري لحلفائها في سوريا وتزويدهم بالصواريخ المضادة للدبابات. فالحرب الأفغانية في الثمانينيات من القرن الماضي انتهت عندما زودت (سي آي إيه) المجاهدين بصواريخ (ستنغر)”.
ويقول تيريني في تقريره، الذي ترجمته “عربي21”: “من أجل الحصول على شعور لما ينتظر بوتين، أنظر إلى تجربة إيران في سوريا، فعندما اختارت طهران تقديم المساعدة للأسد، فهي لم تتوقع تحول سوريا إلى المجرى الذي سيجرف معه مئات الضباط الإيرانيين ومليارات الدولارات، أو أنظر إلى وكيل إيران في لبنان حزب الله، الذي زحف نحو الحدود لإنقاذ الأسد، وخسر لاحقا ما بين 1200 إلى1700 مقاتل”.
ويضيف الكاتب: “بعبارات أخرى، فقد تفشل حرب بوتين، وإن حدث هذا، فهل سيقدم تنازلات ويتخلى عن حليفه؟ ولو فكر الرئيس الروسي بطريقة منطقية فإنه سيقلل من خسائره، فعندما قمت بالبحث حول الكارثة العسكرية، وأعددت كتابي (الطريق الصحيح لخسارة الحرب) دهشت للفقر الذي تظهره الحكومات في إدارة الحروب، فمن حرب الولايات المتحدة في فيتنام إلى الاتحاد السوفييتي السابق في أفغانستان، رد القادة في العادة على الهزائم والقرارات الكارثية بقرارات عمقت من بؤسهم. وبدلا من البحث عن طرق صحيحة لإخراجهم من معضلتهم، فهم يعبرون عن غضب لمن يموتون في ضوء النهار”.
ويتابع تيريني قائلا: “إن جزءا من المشكلة هو ما يطلق عليه المحللون النفسيون “الخوف من الخسارة”؛ لأن هذا يؤذي مرتين، كما أنه يشعرك بالفوز وبالفرح، سواء في لعبة تنس أو في الحرب. ففكرة التقبل بهزيمة صغيرة أمر لا يمكن التسامح معه، وهو ما يغري الناس في العادة بالمخاطرة بهزائم من أجل انتصار صغير، فالمقامر الذي يخسر عشرين دولارا في كازينو لا يخرج منه، بل يزيد من مقامرته، وفي المقام ذاته، فإن الرئيس الذي يخسر ألف جندي في حرب فيتنام، لا ينهي الحرب، بل يرسل نصف مليون أمريكي إلى المستنقع”.
ويعلق الكاتب قائلا: “من الصعب في هذه الحالة أن يتقبل بوتين الهزيمة، فقد بنى صورة لنفسه بأنه أب للروس، يقوم بإعادة صورة البلاد كونها قوة عالمية. وفي حالة انهار نظام الأسد، فلن يخسر الروس سوى المنشأة الوحيدة خارج أراضي روسيا الاتحادية، أي قاعدة طرطوس. وعليه، فلو انهارت جهود الحرب، فربما حاول بوتين إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحطام، ونقل الحرب إلى مرحلة خطيرة. وقد يقوم بتكثيف الغارات الجوية الروسية، أو نشر قوات (رجال خضر)، كما يطلق على الجنود الروس، الذين يقاتلون بطريقة غير رسمية في شرق أوكرانيا. وعندما يبدأ الجنود الروس بالموت في سوريا، فعندها ستتوقف الرهانات كلها”.
ويلفت تيريني إلى أن “بوتين رد بشكل متكرر على خسارة محتملة لوكيل له باستخدام القوة العسكرية، ففي عام 2008، تدخل الجيش الروسي في جورجيا لمعاقبة الرئيس المؤيد للغرب ميخائيل سكاشفيلي، ودعم استقلال مناطق أبخازيا وجنوب أوسيتيا. وبعد ستة أعوام في عام 2014، دعم بوتين المقاتلين الأوكرانيين، وضم القرم بعد الإطاحة بالرئيس المؤيد لبوتين فيكتور يانوكوفيتش، وفي عام 2015، تدخل لحماية الأسد. وعبر بوتين عن استعداده للتصعيد، حيث قال إن بلاده لم (تستخدم بعد كل ما لديها من قدرات) في سوريا، وأضاف: (لدينا أشياء أخرى، وسنستخدمها إن دعت الضرورة)”.
ويتساءل الكاتب قائلا: “فما هو الحل؟ فلو هزم الروس، فهل سيؤدي هذا إلى تصعيد خطير؟ وهذا لا يعني أننا نفضل انتصارا روسيا. وبعد هذا كله فلو حصل على موقع المنتصر، فما هو الداعي للتفاوض لتسوية تعترف بمصالح الجماعات السورية كلها؟ وعليه، فإن الفرصة المثلى هي وضع يعترف فيه بوتين بأن النصر الحاسم غير ممكن، ويمكنه حفظ ماء وجهه بتقديم النتيجة على أنها نجاح. وبعبارة أخرى، يريد قصة كي يحكيها للروس عن النتائج الإيجابية للمهمة، ويجب أن تكون القصة صحيحة، ويجب أن تحتوي على عناصر الصحة أو أن تكون تلك العناصر أمرا ظاهرا”.
ويختم تيريني تقريره بالإشارة إلى أنه “بناء عليه، فمن أجل إخراج بوتين من سوريا يجب على الولايات المتحدة أن تتجنب موقف المتفاخر حول تعرض روسيا لهزيمة فادحة، ففي عام 1989، وبعد انهيار جدار برلين، رفض الرئيس الأمريكي جورج هيربرت بوش الإعلان عن التطور باعتباره نصرا؛ لتجنب تعقيد وضع الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف. فما يحتاجه بوتين هو خطاب نصر، ويجب على أمريكا مساعدته على كتابته”.
عربي21