قبل أن يشرب “أبو عبد القادر” فنجان القهوة عليه أن يشغل سيجار التبع، ليبدأ معها أول أنفاس الصباح رغم تحذير الأطباء المستمر ومواعظ الدعاة المنتشرة في أرجاء مدينته إدلب، ليبقى الإدمان سيد القرار.
تكشف الدراسات أن دخان التبغ يحتوي على أكثر من 4000 مادة كيميائية منها السامة، ومنها ما يسبب السرطان وهو سبب في أمراض الحلق والسعال واصفرار الأسنان وضيق التنفس.. ويمكن أن يتسبب التدخين أيضاً بمجموعة من المشاكل الصحية والمرضية ويصعب علاجها مستقبلاً.
يكشف الرجل الخمسيني عن سبب إقدامه على التدخين قائلاً “كانت مشاهدتي لوالدي اليومية وهو يدخن بشكل مفرط كونه قدوتي ومثلي الأعلى دفعني لتقليده ولم أجد صعوبة في ذلك فنصائح والدي، غير مجدية.. وكما يقال فاقد الشيء لا يعطيه”.
يتابع حديثة بغصة لوحظت بسهولة من خلال كلامه المتقطع “عندما كنت صغيراً لازمت والدي حتى في جلسات السهر مع الأصدقاء آه.. ليتني لم أفعل فمزاحم الثقيل بإشعال السيجارة وتقديمها لي لتعلو أصوات ضحكاتهم الهزلية كوني لا أعرف التدخين بعد، غير مكترثين بمدى خطورة ذلك على سلامتي وتربيتي النفسية بتقبل عادة التدخين مستقبلاً”.
كلنا يعلم أن الإصابة بالإدمان في حالات الهيروين و الكوكايين والمارجوانا وغيرها قد يصاب بها المدخن خلال أيام بسيطة من التدخين.
أما جاره الشاب “حسن” (23 عاماً) صرح برأيه الشخصي قائلاَ “أنا لا أحب التدخين ولكن أشعر بالأناقة والرقي عند توليع السيجارة أمام زملائي بالجامعة وخصوصاً الفتيات. لكن والدي يجد في التدخين فرصة لإخراج الأنفاس الحزينة نتيجة الضغوطات النفسية والاجتماعية، التي يعاني منها يومياً وخاصة بعد التهجير القسري من الحيّ الذي ولدنا فيه”.
نلاحظ انخفاضا ملحوظا في عدد المدخنين للسجائر في الآونة الأخيرة وخاصة بعد تحرير المدينة وكثرة الدعاة والمنشورات التي تصدرت شوارع المدينة والمحلات التجارية، محاولة جدية للتغلب على تلك الظاهرة التي تضر بالصحة والجيب معاً ناهيك عن نظر البعض المتدين للشخص المدخن على أنه يخالف ما جاء في القران التي حثت كلماته على عدم رمي الجسم للمهالك.
أخرج “أبو عبد القادر” علبة التبغ وجثى على ركبتيه مستنداً على ما بقي من جدار منهار، وبيده المرتجفة لفّ التبغ بورقة شفافة مع ترطيب حوافها بلعاب فمه المشبع برائحة التبغ، وأجهد في اشعال قداحته البسيطة لتحترق تلك اللفافة قلبنا قبل أن تحرق أنفاسه، فإرادته الضعيفة وهمومه التي فقد القدرة على تحملها، خاصة بعد علمه أن ابنه البكر “عبد القادر” غدا شهيداً في سجون الذل وبنظرة الضعف وجهها نحونا وهو يقول “لن أترك تلك العلبة فهي شريكي منذ سنين.. لكن الله يبعدا عن كل محبّ”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد