في يناير من العام الماضي، قمت بزيارة الأردن ولبنان بعد أن توليت منصب رئيس مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بأيام قليلة. هناك رأيت بنفسي عواقب أزمة اللاجئين الأكبر في العالم.
في تلك الزيارة وما تلاها، التقيت باللاجئين السوريين الذين يعيشون في ظروف صعبة، ويكافحون من أجل تغطية نفقاتهم، وغالبًا ما يعتمدون على أطفالهم، الذين تخلوا عن تعليمهم سعيًا وراء دخل أساسي. كان الضغط على خدمات الصرف الصحي، الصحة، الكهرباء وغيرها في البلدان والمجتمعات المضيفة واضحًا.
في الحقيقة، كنا نتعامل مع العديد من القضايا نفسها التي واجهتها في مهمتي الأولى مع المفوضية منذ 30 عامًا في شرق السودان، والتي تمحورت حول مئات الآلاف من اللاجئين من إثيوبيا. كيف نتأكد من قدرة اللاجئين على إيجاد السلام والرخاء والمساهمة في المجتمعات التي يعيشون فيها؟
كيف يمكننا أن نساعد البلدان المضيفة، التي تعاني بالفعل من تداعيات صراع كبير على عتبة أبوابها، على مواجهة وجود عدد كبير من الوافدين الجدد؟ كيف يمكننا المساعدة في إيجاد الحلول؟
ظل هدف مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين – مساعدة وحماية الفارين من الصراع والاضطهاد، والمساعدة على حل أوضاعهم – ثابتًا على مر السنين.
مع ذلك، في عالم تسارع فيه التغيير، بما في ذلك التحضر السريع، فالطريقة التي نفعل بها ذلك تحتاج إلى التكيف. لم تبرز هذه الحاجة بوضوح في تعاطينا مع أزمة اللاجئين السوريين.
بدأت هذه العملية ببطء عام 2011، لكنها سرعان ما تفاقمت عام 2013. بحلول نهاية عام 2014، أصبح للسوريين أكبر عدد من اللاجئين في العالم. تلاشت الآمال المبكرة في التوصل إلى حل، واضطرت الحكومات والوكالات الإنسانية إلى التكيف بسرعة؛ للاستجابة للأعداد الهائلة من اللاجئين.
وجد أكثر من 5 ملايين سوري الآن ملجأ في البلدان المجاورة، منهم أكثر من 2.9 مليون في تركيا (التي تعد الآن أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم) وأعداد كبيرة في لبنان، الأردن، العراق ومصر. معظم اللاجئين في المدن والبلدات والمجتمعات الريفية. رغم تركيز الاهتمام على مخيم الزعتري في الأردن، 10٪ فقط من اللاجئين السوريين في المنطقة يعيشون اليوم في مخيمات.
هذا ليس غريبًا. على الصعيد العالمي، يعيش معظم اللاجئين في المجتمعات المحلية والمدن، وليس في المخيمات. قبل عشر سنوات، كانت المفوضية تدير برامجًا كبيرة للاجئين في المناطق الحضرية في سوريا والأردن، ردًا على هجرة 1.5 مليون لاجئ من العراق. استفدنا كثيرًا من الدروس الناتجة عن هذه التجربة.
مع ذلك، حفزت وتيرة وحجم الأزمة السورية، وحقيقة أن اللاجئين متناثرين في العديد من البلدان – مع 1700 لاجئ في لبنان وحده – جهودنا لمحاولة انتهاج سبل جديدة، وتسخير التكنولوجيات الجديدة في شراكة مع الشركات، وتغيير الطريقة التي نستمع إليها اللاجئين وتلبية احتياجاتهم.
التكنولوجيا غيرت القواعد
يناير من العام الماضي، وأثناء وقوفي في مركز التسجيل الصاخب للمفوضية في عمان، صدمتني الابتكارات التي شكلت هذه العملية.
التقيت باللاجئين الذين انتهوا من مسح قزحية العين، كجزء من نظام التسجيل البيومتري لدينا. كما زُرت اللاجئين في منازلهم مع زملاء يحملون أجهزة تابلت لتحميل المعلومات على نظام المعلومات المشترك بين الوكالات لمساعدة اللاجئين، وهو أبعد ما يكون عن دفتر الملاحظات والقلم في أيامي بالسودان.
التكيف جزء لا يتجزأ من الطريقة التي تعمل بها المفوضية، وضرورة تعززت على مدى عقود من الاستجابة لحالات الطوارئ الخاصة باللاجئين. تمتد الكثير من جذور هذه الابتكارات التي نشأت في هذه الأزمة إلى العمليات في أماكن أخرى.
لكن الأزمة السورية كانت الأولى التي يفر فيها عدد كبير من اللاجئين إلى بلدان متوسطة الدخل ذات اقتصادات متنامية. كان لكل من الأردن ولبنان، على سبيل المثال، قطاع خاص نشط، وبنى تحتية وخدمات، وبيئة مواتية للابتكار من خلال التكنولوجيا.
هذا يعني أننا يمكن أن نعمل مع البنوك لتقديم النقد للاجئين، والحد من النفقات العامة والاحتيال، وإعطاء خيار للاجئين لشراء ما يحتاجون إليه، وتجنب وصمة عار طوابير التوزيع.
إعطاء النقد للاجئين ليس جديدًا بالنسبة للمفوضية، لكننا قمنا بزيادة هذا النوع من المساعدات بشكل كبير في عملياتنا؛ لمساعدة اللاجئين السوريين في تركيا، العراق، مصر، الأردن ولبنان، بالشراكة مع شركات خاصة وشركاء آخرين.
بدون وثائق الهوية الموحدة، غالبًا ما يواجه اللاجئون صعوبة في فتح حسابات مصرفية، لكن المفوضية تمكنت من التفاوض على اتفاقات لمصادقة الهويات باستخدام بيانات التسجيل لدينا.
كما شكلنا شراكة مع بنك القاهرة-عمان في الأردن، الأول في المنطقة الذي يستخدم القياسات الحيوية في الخدمات المصرفية للأفراد، لتطوير أول نظام في العالم يسمح للاجئين بسحب المساعدات النقدية باستخدام مسح القزحية دون الحاجة إلى بطاقات أو رموز.
تطور هذا البرنامج الرائد إلى التسهيلات النقدية المشتركة التي تستخدمها حاليا تسع وكالات إنسانية لمساعدة اللاجئين في الأردن. يوجد حاليًا مخطط مماثل في لبنان. كما نبحث عن سبل لتوسيع هذا في المستقبل؛ لمساعدة اللاجئين على تلقي التحويلات المالية أو بناء تاريخ ائتماني وهوية اقتصادية؛ ليتمكنوا من الوصول إلى المزيد من الخدمات المالية.
كان نظام التسجيل البيومتري الخاص بنا، والذي يستخدم الآن مسح العينين في جميع أنحاء المنطقة، في قلب الجهود لمساعدة اللاجئين السوريين. كما يشكل الأساس لإدارة الحالات الفردية، وتوفير البيانات التي يمكن تقاسمها مع الوكالات الأخرى (تطبيق ضمانات حماية البيانات).
هذا يساعدنا على تقييم احتياجات اللاجئين على نحو أفضل، والإسراع في إيصال المعونة، ويستخدم لمطابقة اللاجئين مع فرص إعادة التوطين، وتصديق هويات اللاجئين عندما يغادرون إلى بلدان ثالثة.
كان الاستخدام الأذكى للبيانات سمة أساسية من سمات عملياتنا في سوريا.
أما في بيروت، عملنا مع البنك الدولي والجامعة الأميركية على نموذج اقتصادي؛ لصقل كيفية تقييم الضعف، وهو أمر حيوي لضمان وصول المساعدات المحدودة المتاحة إلى من هم في أشد الحاجة إليها. ستتخذ الخطوة التالية نهجًا يساعد على إخراج اللاجئين من دائرة الفقر، عن طريق تشجيع الفرص الاقتصادية وبناء الاعتماد على الذات.
كلنا شركاء