قصر مشيد, وبندقية موجهة, ونبشات معاول في التراب لاتعكر صفو تلك البندقية, التي كان من واجبها أن توقف تلك التخريبات, هنا في قلعة المضيق الأثرية, بحسب أحد أبنائها القاطنين قربها، وعلى مر خمسة أعوام من الحرب تعرضت معظم المواقع الأثرية إما للنهب أو التخريب أو التدمير.
حيث حذر خبراء الآثار من مخاطر التدمير والنهب المحدقة بتاريخ البلد,بما فيها آثار تدمر والآثار الرومانية واليونانية في قلعة المضيق و”أفاميا”.
ويتبادل النظام السوري مع نشطاء معارضين التهم,فكل طرف يتهم الآخر بتخريب ونهب المواقع الأثرية,حيث كان موقع فرانس فان كات قد نشر في عام 2012 تصريحا لمديرة المتاحف لدى النظام “هبة الساخل”مفاده أن :”لدينا مقطع مصور يظهر لصوصا ينتزعزن فسيفساء بواسطة آلة ثقب..وفي تدمر تنشط حركة السرقة والتنقيب بشكل ملحوظ”.
وبحسب التصريح, فإن مواقع تاريخية في البلاد كانت هدفا للصوص الذين يستفيدون من أعمال العنف التي تجتاح البلاد وخاصة في المناطق الشمالية.
من جهة أخرى يقول ناشطون معارضون بالاستناد إلى مقاطع فيديو مصورة,أن جيش النظام قصف مواقع عدة أثرية من بينها قلعة المضيق في ريف حماه.
وتعود أسباب زيادة وتيرة النهب والتخريب والسرقة لغياب القبضة الأمنية وحالة التسيب التي تعيشها مناطق المعارضة ومناطق النظام على حد سواء, وكذلك إلى شدة القصف الذي تتعرض له المناطق الخارجة عن سيطرة النظام.
فقد نشرت اليونسكو في بيان لها عام 2012 “أن الإضرار بتراث بلد هو إضرار بروح الشعب وهويته”،
كما وأدرجت اليونسيكو ست مواقع على لائحة التراث العالمي، وهي أحياء دمشق القديمة وأحياء حلب القديمة, وقلعة المضيق, وقلعة الحصن,ومدينة بصرى القديمة ,ومدينة تدمر والقرى الأثرية شمال سورية.
وكان معارضون سوريون ونشطاء طالبوا منظمة اليونسيكو ب”التحرك الفوري”من أجل وقف”تدمير المعالم الأثرية”في سورية, متهمين النظام بأنه يستهدفها أثناء عملياته العسكرية”.
لم تلق كل نداءات النشطاء ونداءات اليونيسكو آذانا صاغية ,فمازالت عمليات النهب والتخريب تتزايد بوتيرة مخيفة مع دخول الثورة عامها الخامس, هذا مادفع بعض المنظمات والفصائل العسكرية المعارضة إلى إطلاق حملة “أثارنا تاريخنا” في قلعة المضيق وريفها ,كان الهدف منها التوعية بتاريخ وأهمية الآثار المتبقية,ولحمايتها من النهب والتخريب.
“نحن مسؤولو التواصل في منظمة اليوم التالي, لاحظنا تزايد عمليات التنقيب حول القلعة الأثرية, وبيع الآثار بشكل مخيف,فقمنا كمنظمة مجتمع مدني بإطلاق هذه الحملة, بالتنسيق مع المجالس المحلية في ريف حماه ,ومع القيادات العسكرية أيضا, وحتى مع مجلس المحافظة,فكانت تلك الخطوة الأولى في الحملة” .
هذا ما أكده وسيم الأعرج مسؤول التواصل في منظمة اليوم التالي التي نظمت الحملة,
يضيف الأعرج:”ثم بدأنا بنشر الملصقات التوعوية, والبوسترات ,وكذلك قمنا بإلقاء ندوات شبابية للتنويه بأهمية الآثار وحمايتها”.
هذا وقد أكدت معظم الفصائل العسكرية في المنطقةعلى التزامها بما تدعو إليه الحملة, وأنها ستحاسب كل من يعتدي على ذلك التراث.
وبدوره أكد “زاهر الأحمد” وهو قائد ميداني في جبهة شام :”إننا كممثلين للقطاع العسكري سنصدر مع باقي الفصائل بياناً لمنع التنقيب عن الآثار، وسنكون مستعدين لحمايتها,لأنها تعني لنا الكثير وهي تاريخ آبائنا وأجدادنا, ولن نسمح لأحد بالمساس بها”.
لاقت الحملة تأثيرا إيجابياً بحسب ما أفاد به خبير الآثار “أيمن النابو”حيث قال :”لهذه الحملة نتائج إيجابية من ناحية رفع الوعي الثقافي وإشراك المجتمع المحلي في حماية التاريخ, ومن النتائج الملموسة على أرض الواقع توقف عمليات التنقيب في قلعة “أفاميا” على عكس ما يحدث في المناطق التي يسيطر عليها النظام”.
تحتاج سورية على امتدادها من أوغاريت إلى سرجيلا إلى تدمر وأفاميا والعديد من تلك الحملات، فقد ضاع تاريخ البلد بين اتهامات النظام والمعارضة, فكل منطقة واقعة تحت سيطرة مختلفة, ولكن اتفقت الأهداف لدى البعض منهم, فباعوا تاريخهم بحفنة من النقود, وستظل الأجيال القادمة تمقتهم إلى أن يعود الحق لأصحابه.
إيهاب البكور_ المركز الصحفي السوري