يرى قيادي في المعارضة السورية في «وادي بردى» بريف العاصمة دمشق، أنّ من بين أسباب سقوط المنطقة بيد قوات النظام السوري وحلفائه، يعود إلى وجود عملاء للأخير على الأرض، كان لهم دور فعّال في فصل قريتي «الفيجة» و»بسيمة» عن قرى الوادي.
ورفض القيادي الخوض في تلك المصالحات التي عقدت في هذه المنطقة مع النظام السوري، لكنه أشار إلى أنها كانت تحصل في السر، حيث مهّد لها النظام قبل العمل العسكري على المنطقة، من خلال تعمّده عدم الدخول إلى قرى الوادي، سوى بطابع العبور إلى «الفيجة» و»بسيمة»، وهو ماكان يقوله للأهالي في تلك القرى، لكنه ذكر في الوقت ذاته بعض الاشتباكات التي حصلت في بعض قرى العبور إلى الفيجة.
ويقول القيادي، الذي فضّل عدم كشف اسمه، لـ»القدس العربي»: «إنّ النظام فصل منطقتي الفيجة، وبسيمة عن قرى الوادي عبر تجنيده عملاء في المنطقة، إضافة إلى شدة القصف على القريتين بجميع الأسلحة، فضلاً عن خروج المشافي في المنطقة عن الخدمة، وافتقار المرضى والجرحى إلى الدواء، ما أوجد حالة من الذعر، والخوف لدى المدنيين».
وكانت قوات النظام سيطرت على «الفيجة» آخر معاقل مقاتلي المعارضة في منطقة وادي بردى في الريف الغربي من دمشق في منتصف كانون الثاني/ يناير الماضي، بعد اتفاق بين الطرفين، قضى بخروج أكثر من ألفي شخص من مقاتلي المعارضة وذويهم، إلى إدلب في الشّمال السوري.
ويكشف القيادي عن كمية كبيرة من الخذلان، تلقاها مقاتلو المعارضة في الوادي، من كامل فصائل المعارضة السورية على مختلف الجبهات، إضافة إلى خذلان المعارضة السياسية، ما تسبب، حسب القيادي، بالتسليم بواقع سقوط المنطقة عسكرياً، حيث كانت الكلمة الأخيرة لهم قبل الخروج من بلدة الفيجة، وهي: «باعونا، واتفقوا على تسليم الوادي».
ووفقاً للقيادي في المعارضة، فإنّ مقاتلو المعارضة حوصروا في الآونة الأخيرة، قبل الاتفاق على تسليمها، في منطقة لا تتجاوز مساحتها 3 كيلو مترات، بعدد مقاتلين لا يتجاوز مئتي عنصر.
كما ذكر أنّ منطقة الوادي سقطت عسكرياً، بسبب كثافة القصف على المنطقة، إضافة إلى قلة عدد مقاتلي المعارضة، بعد فقد الكثير منهم، وعدم وجود دواء لعلاج المصابين، إضافة إلى عدم امتلاك فصائل المعارضة لأسلحة طويلة المدى، حيث لم يتبق لديها سوى 3 صواريخ، وهو ما يمنع التصدي لقوات النظام والميلشيات الموالية لها المهاجمة للمنطقة.
ووثقت مراصد إعلامية معارضة، ومنظمات حقوقية، مئات الغارات على منطقة الوادي، ما تسبب بمقتل العشرات من المدنيين، إضافة إلى تضرر كبير في نبع الفيجة المغذي لمدينة دمشق، وخروجه عن الخدمة.
وقال مدير المكتب الإعلامي المعارض في وادي بردى عبد القادر فهد لـ»القدس العربي»: إنّ النظام هدّد الفصائل بقصف المدنيين في «دير قانون»، وهي قرية تحوي حوالي 80 ألف من أهالي بردى، مشيراً إلى أنّ قوات النظام، وحليفها الروسي، شنّت بشكل يومي أكثر من 40 غارة جوية، بعشرات البراميل المتفجّرة، إضافة إلى عشرات القذائف المدفعية، ما تسبب بدمار شبه كامل لقريتي «الفيجة» و»بسيمة».
وأشار إلى وقوف النظام السوري والميلشيات المواليه وراء مقتل مسؤول ملف المصالحة في الوادي اللواء «أحمد الغضبان»، بالرغم من اتهامات إعلام النظام السوري لفصائل المعارضة بالضلوع في العملية.
كما أبدى تخوّفه على مستقبل العشرات من الشبان في منطقة الوادي، ممن هم في سن التجنيد، مشيراً إلى أنّ النظام لم يوفِّ بتعهداته، في ما يخص عودة الأهالي إلى «عين الفيجة» و»بسيمة»، مشيراً إلى أنّ معظم المباني مدمرة في المنطقتين، فيما استمر شبيحة الأسد بتعفيش المنازل في المنطقة، حتّى من تحت الدمار.
وأشار عبد القادر إلى أنّ سياسة الأرض المحروقة التي انتهجها النظام السوري وحلفاؤه، من روس وإيرانيين، ولبنانيين، أفضى إلى قبول الفصائل باتفاق الخروج من «الفيجة» و»بسيمة» من خلال دخول 20 عنصراً من قوات النظام إلى «الفيجة» ليقوموا برفع علم النظام، ومن ثم يبدأ خروج مقاتلي المعارضة وعائلاتهم، إضافة إلى رافضي المصالحة إلى إدلب في الشّمال السوري، عبر 40 حافلة، وبعدد بلغ 2100 شخص.
وأدت الغارات الجوية على نبع «الفيجة» إلى دماره بشكل شبه كامل، وخروجه عن الخدمة، ما حرم أهالي العاصمة من مياه الشرب لأكثر من 30 يوماً.
وفي هذا السياق، يقول: «إنّ نبع الفيجة استهدف خلال 38 يوماً فقط، بأكثر من ألف غارة جوية، إضافة إلى القذائف المدفعية، ما أدى لتدميرها، بشكل كامل، وخروجه عن الخدمة في 23 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، موضحاً في الوقت ذاته أن الاستهداف طال كافة مكونات النبع من مضخات، وأقنية، ما أجبر الأهالي حتى في القرى المحيطة للنبع للتعبئة منه مباشرة».
وينقل عن فنيي النبع قولهم: «إنّ مضخات النبع لن تعود إلى الخدمة، كون توقفها لأكثر من 12 يوماً يجعلها خارج الخدمة وغير قابلة للإصلاح بسبب تكلسها».
وعانى أهالي منطقة وادي بردى أوضاعاً إنسانية صعبة، قبل خروجهم إلى إدلب، حيث منعت قوات النظام والميلشيات الموالية له، منذ بدء العمليات العسكرية في 21 كانون الأول/ ديسمبر من العام الماضي، دخول المواد الإغاثية والطبية إلى قرى وادي بردى.
ويقول عباس الغضبان من أهالي الوادي لـ»القدس العربي»: إنّ الأهالي في المنطقة اعتمدوا على ما كانوا يخزنونه قبل الحملة العسكرية على الوادي، والتي تسببت بنزوح الأهالي من «بسيمة» و»عين الفيجة» إلى القرى القريبة، والأقل عرضة للقصف كـ»دير قانون، الحسينية، كفير الزيت، دير مقرن وسوق وادي برد، كفر العواميد»، نفدت المواد الغذائية فيها، بسبب ارتفاع الكثافة السكانية، وبالأخص «دير قانون» التي ارتفع عدد سكانها إلى 4 أضعاف في ظل الحملة العسكرية على منطقة الوادي.
وأشار إلى محاولة الناس تأمين عدد من المواد الغذائية من «بسيمة» و«الفيجة» في أيام الهدوء، حيث اضطر النازحون عنها، إلى الاستعانة بما تركوه في منازلهم من مواد غذائية، لسد جوع أطفالهم.
وذكر أنّ أكثر المواد الغذائية صعوبة في التأمين، هي مادة الخبز، حيث نفد الطحين في آخر أيام الحصار، بعد توقف فرن «عين الفيجة» العمل.
ولم يجد أهالي منطقة «وادي بردى» المُهجرين قسراً إلى إدلب المدينة، وريفها، سوى منازل الأهالي، وبعض المنازل مسبقة الصنع، ملجأً لهم، بعد فقدهم لديارهم في الريف الدمشقي، واصفين استقبال أهالي إدلب بـ»الرائع»، رغم غصة ترك الديار، والبعد عنها.
وبالنظر لما فعله النظام في منطقة «وادي بردى» من تهجير أهلها، وتحويل المنطقة إلى ركام، فإنّ الأخير أعاد سيناريو التهجير الذي يتبعه منذ عدة أشهر، من عدة بوابات، أولها اتباع سياسة الأرض المحروقة، وثانيها إلهاء فصائل المعارضة بمعارك سياسية تُبعدهم عن أرض الميدان، وثالثها، تدمير كافة مقومات الحياة من غذاء ودواء، وعلاج، للوصول إلى التهجير القسري للسكان الأصليين لأهالي المدن السورية، وإعلان النصر من على ركام تلك المدن.
القدس العربي