أعلنت الأمم المتحدة في السابع من يونيو/حزيران الجاري، أن عدد اللاجئين الذين ماتوا غرقاً بالمتوسط، بلغ منذ عام 2014، أكثر من عشرة آلاف.
وبهذا عاد البحر المتوسط من جديد، منذ الاتفاق التركي الأوروبي، إلى ابتلاع هؤلاء الآلاف، من المهجرين والمعذبين بالأرض، انسداد طريق البلقان، أدى بشكل تلقائي وكما كان متوقعاً إلى عودة الموت من جديد، بعد فترة استراحة لم تدم فترة طويلة. لا شيء يوقف زحف هذا النهر الجاري، فهو كسيل الماء العارم بعد عاصفة مطرية أو طوفان، لا يوقفه شيء.
الممر الآمن عن طريق البلقان واليونان مروراُ بتركيا، أُغلق من قبل السلطات التركية المسلمة، بوعود جديدة بعودة حُلم الانضمام لأوروبا.
منع اللاجئين من المرور عبر تركيا، لحماية الدول الأوروبية، رفقاؤها بالحلف الأطلسي، من هجرة غير شرعية وغير منظمة، كان يمكن أن يكون مقبولاً، لو طُرحت حلول لتجفيف منبع هذا النهر، عن طريق فرض حل سياسي أو تسوية في سوريا، أو دعم التحرك نحو الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، في الدول الإفريقية والعربية المُصدرة للاجئين.
اللاجئ الذي يغامر بحياته وأهله وماله، لا يفعل ذلك حباً بالموت غرقاً، وإنما هرباً من موت مؤكد في بلده أو موت محتمل في البحر، فقط تخفيض نسبة الموت بحياته هو الذي يدفعه إلى ذلك، وإلا لكان هؤلاء مجانين، فمن يقبل أن يموت مع أطفاله غرقاً فقط للذهاب نحو حلم بحياة أفضل، حتى ولو كانت الجنة، لا أحد طبعاً.
ينتقد كثير من الكتاب والمراقبين، الاتحاد الأوروبي لمواقفه من اللاجئين، وإغلاق دول أوروبا الشرقية، ذات النزعة العنصرية، ممر البلقان، مع أن ألمانيا استقبلت حوالي المليون، ودول أخرى مئات الآلاف.
السؤال الذي يجب أن يوجهه هؤلاء، هو بالأصح لتركيا أردوغان، وللدول العربية التي لا تتعامل مع اللاجئ السوري أو الفلسطيني أو العراقي أو من أي جنسية أخرى، إلا من منظور استعماله كأداة للضغط على الدول الغربية، في حالات للحصول على الدعم المالي، وفي حالة أخرى كتركيا، للحصول على تسهيلات دخول الاتحاد الأوروبي لمواطنيها، الذين يعيشون في بلادهم ببحبوحة اقتصادية، كما قيل لنا، وللحصول أيضاً على بعض المليارات الإضافية، وبيع حُلم الانضمام لأوروبا من جديد، مُبتعدة بذلك عن العالم الإسلامي. وهكذا سياسات لا تأخذ قطعاً بالحسبان، مصلحة اللاجئ نفسه، الذي يتحول إلى بضاعة تُباع وتُشترى.
إن إرهاب البحر المتوسط ونهر الدموع والدماء، المُتدفق إليه يومياً، هو أولاً مسؤولية دول المنبع لهذا النهر، ولكن أيضاً مسؤولية الدول الأخرى التي بدل أن تدعم أمل التغيير الديمقراطي، تُقوي أنظمة الاستبداد، كما في الموقف الإيراني والروسي، أو تمنع عمل أي شيء لوقف القتل الدائر في بلاد الشرق الأوسط، ليلاً نهاراً، كمعظم الدول الغربية وذلك تحت ضغط أطراف من لوبيات دول العرب وسلطاتهم المُستبدة، أو تجاوباً مع مصالح إسرائيل، كل ذلك لمنع زحف الربيع العربي.
نهر اللجوء سيستمر، ما دام الاستبداد هو النظام السائد في معظم دول الشرق الأوسط، وكما هُجر أبناء بلغاريا وبولونيا وهنغاريا، خلال الحرب العالمية الثانية، هرباً من النازية ثم هرباً من الشيوعية، فإن مهاجري هذا الزمن سيعودون إلى أوطانهم بعد هزيمة الاستبداد، كما هُزمت النازية والفاشية وهُزمت الشيوعية من بعدها.
والتاريخ يذكرنا بالحرب الأهلية الإسبانية خلال ثلاثينات القرن الماضي، حيث هاجر مئات الآلاف إلى فرنسا، ولكن إسبانيا انتهت بهزيمة فرانكو، وإقامة نظام ديمقراطي، ولو بعد أربعين عاماً على نهاية الحرب الأهلية بالانتصار الوهمي للنظام الفاشي.
كل هذه الشعوب، هزمت أنظمتها الشمولية بنفسها، وعلينا نحن كعرب أن ننظر أولاً إلى أنفسنا، وأن نبني في أوطاننا أسس الديمقراطية والدولة الحديثة، ولا ننتظر دعم الغرب أو الشرق، علينا أن نُحمل أنفسنا المسؤولية فيما يحدث، فالآخرون لا يستطيعون فعل شيء فينا لو لم يجدوا بيننا من يعمل ضد شعبه وأمته.
وحدة قوى حداثة الأمة في كل أقطارها، هو إذن أمل المستقبل، لإنهاء الاستبداد وإخماد نهر الهجرة، وإعادة اللون الأزرق لمياه البحر المتوسط الهادئة.
القدس العربي