بعد الهجوم المسلح الذي تعرض له الجامع الكبير في مدينة كيبيك الكندية، يوم 29 كانون الثاني/يناير الماضي، يعيش أبناء الجالية المسلمة في المقاطعة، حالة من الحذر والخوف والترقب تترافق مع التعليقات العنصرية لبعض أهل المنطقة من العقلية اليمينية، رغم حملات التضامن التي شارك فيها آلاف الكنديين داخل المقاطعة وخارجها.
الهجوم الذي نفذه اليكساندر بيسونيت من أصل كيبيكي، وأسفر عن قتل ستة من المصلين، وإصابة خمسة آخرين بجروح خطيرة، سجل حالة نادرة في التاريخ الكندي الحديث، إذ كانت المرة الأولى التي يرتفع فيها مستوى العنصرية ضد المسلمين إلى العنف المسلح، الأمر الذي أثار ضجة وقلقاً في البلاد على المستوى الشعبي والرسمي، وأدى إلى اتخاذ اجراءات أمنية شديدة في جميع المراكز الإسلامية والجوامع في المقاطعة. وفي منطقة كارتييه فيل شمال مونتريال ذات الغالبية المسلمة، يتواجد العدد الأكبر من الجوامع في المدينة، ويواصل المسلمون هناك ممارسة نشاطاتهم اليومية بشكل طبيعي، ويقيمون صلواتهم، دون أي نقصان ملحوظ في أعداد المصلين. وقال دانييل مظفر، مدير «المركز الإسلامي في كيبيك» في مونتريال، لـ«القدس العربي» أن «الدعم الذي تلقيناه من الفئة الأكبر من الكنديين، والتعازي التي وردتنا من الكثير من دول العالم، وردود الفعل الحكومية، جعلتنا في حالة أفضل بعد صدمة لم تكن متوقعة» وأضاف «وعلى الرغم من أننا نفكر في زيادة التحصينات الأمنية حول الجامع، إلا أننا لا نشك بأنها جريمة فردية، لن يتكرر حدوثها في المجتمع الكندي».
وقال عبد السلام المنياوي، مدير المجلس الإسلامي في مونتريال، لـ«القدس العربي» أن «تحميل ترامب المسؤولية المباشرة للهجوم الإرهابي في كيبيك ليس دقيقاً تماماً، رغم تأثيره الشديد على الكثير من اليمينيين في شمال أمريكا، فالعنصرية في كيبيك، كانت تتراكم في السنوات العشر الأخيرة». مشيراً إلى أن هناك بعض العقليات تشعر بالتهديد من الإسلام. ويضيف: «هذه الفئة صغيرة، لكن صوتها مسموع ومؤثر للأسف الشديد».
وكشف أن اجتماعات ستعقد بين رئيس الوزراء الكندي، ورئيس الحكومة والقيادات الإسلامية في المقاطعة، لمناقشة ما يمكن فعله، وكيف يمكن للمسلمين التصرف بإيجابية ردا على هذه الجريمة، مشيراً إلى أن التضامن الهائل الذي ورد المسلمين، يمكن اعتباره نقطة تحول إيجابية لتوحد المجتمع الكندي.
مركز لورنسيان الإسلامي المرافق لجامع الروضة، يعنى بنشاطات متنوعة لفئات عمرية مختلفة من المسلمين في مونتريال، ويجتمع فيه يومياً مجموعة من الأطفال مع ذويهم أو في صفوف مع معلميهم، وفي الطابق العلوي، اجتمع عدد من أئمة الجوامع يوم الثلاثاء الماضي بشكل خاص لمناقشة الاجراءات الفعالة التي يمكن القيام بها على المستوى العملي من أجل رد فعل إيجابي تجاه ما حدث.
منع الحجاب
وقال سامر النيز، مدير المركز، لـ «القدس العربي» أن «محاولة الحزب الكيبيكي، في الأعوام الأخيرة، سن قانون يمنع الحجاب في المؤسسات الرسمية، قد يكون ساهم في زيادة التطرف في المقاطعة أكثر من غيرها من المقاطعات الكندية».
أما عن احتمالية وجود شباب مسلم متطرف في المقاطعة، أجاب النيز أن «هناك من يشار إليهم بأبناء شرق مونتريال، وهم بعض الشباب الذين توجهوا إلى سوريا أو العراق للقتال مع داعش، لكنهم لا ينتمون إلى تنظيم معين، بل للانترنت». وأضاف «نحاول من جهتنا خلق برامج تربوية محاربة لهذا الفكر المتطرف، فنحن نرى أن داعش ليس له علاقة بالإسلام، ونشجع أبناءنا على الانطلاق والانفتاح على الآخرين، وتعريف غير المسلمين بقيم الإسلام الحقيقية». ثم قال: «نحن نعلم أولادنا أن الانتماء إلى كندا وإلى الإسلام لا يتعارضان مع بعضهما».
وعلى الرغم من اتفاق غالبية المسلمين على متابعة الحياة، والإيمان بالقدر، إلا أن الخوف كان واضحا بين نساء مركز لورنسيان، فلم تخل السنوات العشر الأخيرة من الإشارات إلى عنصرية مستترة ضدهن كمحجبات. فقد وثق المركز كثيراً من الاعتداءات اللفظية أو حتى الجسدية عليهن، ووردت للجوامع في مقاطعة كيبيك مجموعة من الرسائل المهددة، كان منها رأس الخنزير المقطوع، أواخر حزيران/يونيو الماضي، على باب الجامع الكبير في مدينة كيبيك.
وتقول أسماء، وهي أم جزائرية لثلاثة أطفال في المركز، وحاملة لشهادة في العلوم السياسية: «بالطبع، لدينا خوف كبير من المستقبل، ورغم استبعاد نظرية المؤامرة، إلا أنه لا شك بوجود خلايا نائمة في كيبيك، يمكن تقويتها وتشجيعها لنصل إلى ارتفاع في العنف وربما عنف مضاد، وأعتقد أننا سنصل إلى هذا اليوم». وأضافت: «نحاول تعليم أولادنا ثقافة التسامح والانفتاح على الكيبيكيين، معتبرين أنفسنا وإياهم شركاء في وطن واحد».
ترودو يشارك في مراسم تشييع ضحايا مسجد كيبيك
شارك رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، في مراسم تشييع ثلاثة قتلى سقطوا في الاعتداء على مسجد مقاطعة كيبيك شمال شرقي كندا.
وألقى ترودو كلمة خلال المراسم التي أقيمت في قصر المؤتمرات في مدينة كيبيك، أكد خلالها أنه يجب على الذين يطلقون تصريحات ورسائل الكراهية، أن يعوا الأضرار التي يتسببون بها.
وأضاف «ما يقع على عاتقنا هو مهمة الدفاع عن قيمنا، ولن ننسى أبدا هؤلاء الضحايا».
القدس العربي