اكتشف بوتين أن هناك قيودا للقوة وهو يرسل قواته وطائراته ولا يحسب حسابا لأحد
في سوريا كما هي الحال عندنا لم يشعروا بالشتاء بعد، لكن روسيا غارقة في الوحل السوري الذي دخلت اليه قبل شهرين فقط ـ بكل قوتها لكن بقليل من التفكير لرؤية المستقبل.
في بداية ايلول وصلت عشرات الطائرات الروسية إلى الاراضي السورية، وخلال يومين بدأت بقصف جميع الاهداف بدون تمييز في كل المناطق السورية.
هذا بناء على الطريقة الروسية المحافظة: من لا يستجيب للقوة فانه يستجيب لمزيد من القوة. وانجازاتهم في الوقت الحالي هي صفر باستثناء قتل مئات المدنيين السوريين والمتمردين المعتدلين. لكن ثمن تدخلهم في سوريا له تأثيرات كثيرة.
في الشهر الماضي كانت طائرة الركاب الروسية حيث تم تفجيرها من قبل داعش في سماء سيناء وقتل 224 مسافرين على متنها، وفي هذا الاسبوع كانت طائرة قتالية بطاقمها تم اسقاطها من قبل الاتراك.
التدخل العسكري الروسي في سوريا يهدف إلى تحقيق أمرين: الاول، ضرب أوباما والاثبات للعالم أن بوتين هو الرئيس.
والثاني هو انقاذ بشار الاسد وضرب المتمردين المعتدلين في غرب سوريا الذين يغلقون على نظامه. لذلك تم توجيه القنابل الروسية الكثيفة نحو المتمردين المعتدلين في غرب الدولة ولم توجه تقريبا ضد تنظيم الدولة الموجود في شرق سوريا.
فتنظيم الدولة أقل تهديدا على بشار الاسد. بل العكس، بشار وبوتين يحتاجان لتنظيم الدولة من اجل استمرار حرب البقاء التي يديرها بشار ضد معارضيه المعتدلين في غرب الدولة.
العمليات في باريس قبل اسبوعين كانت في صالح بوتين وقد حولته إلى بطل في لحظة. أمام أوباما المهزوم الذي يريد فقط العودة إلى البيت بسلام وعدم فعل أي شيء، وايضا امام الرئيس الفرنسي اولاند الذي يلقي الخطابات بشكل جيد لكنه لا يقدر على العمل ضد الإرهاب.
أما بوتين فقد ظهر أنه صاحب موقف سياسي واضح حول كيفية حل الازمة السورية، وبذلك فهو ينقذ اوروبا من موجة العمليات الإرهابية، وايضا من تدفق اللاجئين. حل بوتين هو تعزيز بشار الاسد وهزيمة معارضيه على أمل أنه، أي بشار الاسد، ستكون له القوة الكافية في المستقبل للقضاء على تنظيم الدولة.
يوجد لقادة اوروبا والولايات المتحدة سهولة في الوقوع في سحر بوتين، ولديه سوابق، وهو يستطيع فعل ما لا يستطيعون أو لا يريدون فعله وهو ارسال قوات إلى الميدان.
واذا استدعى ذلك تطهير بشار الذي قام بمذبحة ضد شعبه، فالحديث هو عن أقل المساويء. وفي نهاية المطاف، بشار قتل آلاف السوريين بواسطة الغاز باسم فكرة التنور والعلمانية، وهو يكتفي بقتل ابناء شعبه ولا يريد الحاق الضرر باوروبا.
لكن مشكلة بوتين لم تكن أبدا أوباما أو اوروبا. حيث لا يراهم. المشكلة هي المتمردون والمؤيدون لهم في الميدان.
يكتشف بوتين أن للقوة الروسية قيود. وهو لا يحسب حساب لإسرائيل ويقوم بارسال طائراته للقصف على بعد مئات الامتار من الحدود الإسرائيلية السورية في هضبة الجولان. لكن اردوغان التركي يجب أن يحسب حسابه.
اضافة إلى ذلك فان القصف والصواريخ البالستية التي يطلقها الروس على سوريا تظهر بشكل جيد على شاشات التلفاز، لكن تأثيرها الميداني محدود ولا سيما أمام المتمردين الذين ليسوا جيشا حقيقيا.
نظام الشر في دمشق مدعوم حتى الآن بقوات إيرانية ومقاتلين من حزب الله وبغطاء جوي روسي، وقد نجحوا في السيطرة على عدد من المدن والقرى في شمال الدولة، وحلفاؤهم من طهران وبيروت وموسكو يقاتلون من اجلهم.
لكن هذا لا يعني أنه حدث تغير حقيقي في وضع الدولة. الحرب في سوريا ستستمر ومعها سفك الدماء الروسي. في افغانستان ايضا بدأ التدخل الروسي بتأييد واسع من الرأي العام في الدولة، لكن ليتذكر الجميع ماذا كانت النهاية، إلا أنه يبدو أن بوتين نفسه قد نسي.
بالنسبة لإسرائيل يجب التصرف الآن بحذر على هذه الجبهة. الدب الروسي مصاب لذلك قد يضرب بدون مراعاة قيود معينة.
في وضع كهذا فان خطورة الاحتكاك مع إسرائيل في الحدود مع الجولان أو في سماء سوريا، كبيرة. وهذا ليس مصلحة إسرائيلية، أن تجد نفسها في مقدمة المسرح وتتعرض لنتائج الغضب الروسي.
القدس العربي