من على صهوة فرسه الشقراء «شمس»، يرفع الفتى منذر حجاج كأساً ذهبياً فاز به في نهاية سباق نادر للخيول العربية أقيم في منطقة تحت سيطرة الفصائل المعارضة في شمال سوريا، رغم الحرب التي دخلت عامها السابع.
في منطقة صحراوية في قرية بويدر الواقعة في ريف حلب الجنوبي، تجمع عشرات الرجال والشبان، يرتدي معظمهم الزي العربي التقليدي، العباءة والكوفية، في وقت سابق هذا الشهر. وتابعوا بحماس سباقا للخيول شارك فيه عشرون متباريا تحت أشعة شمس حارقة ووسط أجواء من الفرح وعقد حلقات الدبكة لدى وصول كل فائز إلى خط النهاية.
ومع ابتسامة عريضة ترتسم على وجهه، يقول منذر (14 عاما) «هذه أول مرة أشارك فيها في سباق للخيول، وقد فزت بالمركز الأول»، مضيفا بفخر «دخلت السباق بفرسي شمس ذي الست سنوات».
وشمس فرس شقراء اللون يتوسط وجهها خط أبيض. وعوضا عن السرج التقليدي، زينها منذر ببساط ملون. وهي تنتمي إلى فئة الخيول الوطنية، أي غير المسجلة لدى المنظمة العالمية للجواد العربي (واهو).
وتعرف الخيول العربية بسرعتها وجمالها وقدرتها على التحمل. وتعد من أجود وأقدم أنواع الخيول في العالم. وعملت القبائل العربية في شمال سوريا منذ قرون على تربيتها ونجحت في الحفاظ على نقاوة سلالتها. ويجري الاعتماد عليها بشكل كبير للتناسل مع سلالات أخرى بهدف تحسين جودة الأخيرة.
في العام 2010، كان لدى سوريا 750 جوادا أصيلا مسجلا لدى منظمة واهو، التي لم تصدر أي إحصاءات عن سوريا منذ اندلاع النزاع الذي تسبب منذ العام 2011 بمقتل أكثر من 320 ألف شخص.
ولم تبق الخيول بمنأى عن النزاع إن لجهة الأضرار التي لحقت بها او لعدم تسجيلها كما اقتضت العادة لدى المنظمات العالمية المعنية.
ويقول نائب مدير جمعية «الفجر للخيول العربية» المنظمة للسباق «عانت الخيول كثيرا نتيجة عدم توفر الرعاية الطبية وعدم وجود اللقاحات الضرورية».
ويضيف «الفروسية متجذرة في تاريخنا العربي»، ومن هنا تأسست الجمعية قبل عام في مناطق سيطرة الفصائل المعارضة «للحفاظ على السلالة النقية للخيول العربية» وذلك عبر إحصاء الخيول الأصيلة المسجلة لدى منظمة واهو وغير المسجلة نتيجة النزاع فضلاً عن الخيول المهجنة.
وأراد القيمون على الجمعية من خلال تنظيم هذا السباق، لفت أنظار المنظمات المعنية إلى الخيول العربية الموجودة في مناطق سيطرة المعارضة.
ويوضح مدير الجمعية يحيى الأفندي أنه منذ اندلاع النزاع «بات تسجيل الخيول لدى منظمة واهو حكراً على مناطق النظام»، موضحا أن المنظمة «لا تتعامل مع أي جهة في مناطقنا المحررة».
وجراء ذلك، لم تسجل أي ولادات حديثة منذ ست سنوات حتى الآن، وهو حال الفرس «شمس». كما «لم يصل أي دعم للخيل، من طعام او دواء» على حد قوله.
ويشدد الافندي على أن «هدفنا توجيه رسالة للفت النظر إلى الجواد السوري، وهو جواد عربي أصيل كان يؤخذ إلى البلاد الأجنبية من أجل تحسين مواصفات خيولها».
وكان السباق عبارة عن جولتين، الأولى للخيول الوطنية والثانية للخيول المهجنة.
ومع انتهاء كل جولة، عمد بعض المشجعين إلى إطلاق النار في الهواء والرقص ابتهاجا.
وانتهى السباق بتوزيع الكؤوس والميداليات على الفرسان الفائزين بالمراتب الأولى فيما تجمع المشجعون حولهم.
ويقول رمضان العيسى (34 عاما) الفائز مع فرسه «براق» بالمرتبة الأولى عن فئة الخيول المهجنة بفرح لفرانس برس «هذه المرة الثالثة التي أفوز بها في المرتبة الأولى في سباقات الخيل وشعوري لا يوصف».
ولا تقل سعادة رمضان عن حماس صديقه مصطفى العيسى (33 عاما). والاثنان جاءا من قرية الخواري الواقعة في محافظة إدلب (شمال غرب).
ويقول مصطفى الذي يشجع الخيل «براق» إن حضور سباقات الخيل كان الهواية المفضلة لديه قبل اندلاع النزاع.
ويوضح «قبل الحرب كانت السباقات منظمة وسنوية، أما اليوم فباتت كل سنتين تقريبا».
القدس العربي