كثيرة جداً ومعقدة، المشاكل الخارجية التي ستواجه الرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، من الشرق الأوسط وحروبه وصولاً إلى تحديات منطقة شرق آسيا ودور الصين، مروراً بالنووي مع إيران، والعلاقة مع الجارة المكسيك، فضلاً عن المهاجرين واتفاقيات التجارة العالمية.
وكتب مدير مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس مقالاً على موقع المجلس حول التحديات التي ستواجه الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب، موضحاً أن «التكهنات حول طبيعة السياسة الخارجية والداخلية في عهده منتشرة بشكل كبير، ولكن القليل منها ذو معنى».
وحسب هس، فإن «الحملة الانتخابية والحكم، نشاطان مختلفان، ولا يوجد أي سبب يدعونا للاعتقاد إلى أن الطريقة التي خاض فيها ترامب الحملة الانتخابية ستحدد الطريقة التي سيحكم فيها. كما أننا لا نعرف المستشارين الرئيسيين له وكيف سيعملون معاً».
ورغم أن التحديات التي ستواجه ترامب لا تقارن بالحرب الباردة في ذروتها، لكن عدد المشاكل وتعقيدها أمر غير مسبوق في الزمن الحديث. وعلى رأس المشاكل، وفق المصدر ذاته، «منطقة الشرق الأوسط التي وصلت مراحل متقدمة من التفكك، وتعيش كل من سوريا والعراق واليمن وليبيا مزيجاً من الحروب الأهلية وحروباً بالوكالة، وهناك أيضاً، المشروع النووي الإيراني الذي تعامل مع ملمح واحد من القوة الإيرانية ولفترة قصيرة، فضلاً عن تنظيم «الدولة» الذي خسر البعد المكاني، لكنه سيظل مع بقية الجماعات المتشددة يشكل خطراً ولسنوات قادمة». وفي هذا السياق، يعتبر إثبات أكراد سوريا أنهم أحسن الشركاء في الحرب ضد التنظيم يعتبر من التحديات المعقدة التي تنتظر الرئيس.
يضاف إلى ذلك، تحديات أخرى، بينها «مشكلة ملايين اللاجئين التي لا تمثل كارثة إنسانية فقط، ولكنها تعتبر عبئاً اقتصادياً واستراتيجياً لدول المنطقة وعلى أوروبا. الأخيرة تواجه عدداً من التحديات المهمة بما فيها العدوان الروسي ضد أوكرانيا، البريكست (خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي)، وصعود الشعبوية والقوية، ومعدلات النمو الاقتصادي المتدنية». كذلك، تمثل تركيا مشكلة خاصة، بسبب ما وصفه الكاتب بـ»اللاليبرالية في داخل البلاد والتصرف الزئبقي والمتلون في الخارج».
تحديات آسيا والمكسيك
وأشار هاس إلى مشاكل وتحديات منطقة شرق آسيا ودور الصين في التأثير على استقرارها، ومشروع كوريا الشمالية النووي والصواريخ «الباليستية» المتقدمة وعدد من النزاعات البحرية وعلى الجزر.
وفي جنوب آسيا، هناك المشاكل المتجددة بين الهند والباكستان، القوتين النوويتين بالمنطقة، ومستقبل أفغانستان غير الواضح، حيث فشلت الجهود الدولية والمساعدات، لبناء حكومة قادرة ومواجهة تمرد حركة «طالبان». وقريباً من الولايات المتحدة هناك فنزويلا، الدولة الغنية بالنفط التي يصفها البعض بـ «الدولة الفاشلة». وفي القارة الإفريقية يبرز مزيج من مشاكل الحكم وبطء في النمو الاقتصادي وحروب أهلية وإرهاب.
ترامب، أضاف للمشاكل تلك، تعقيداً جديداً، إذ أكد على شعار «أمريكا أولا»، مثيراً أسئلة لدى حلفاء أمريكا حول الحكمة من مواصلة الاعتماد على الولايات المتحدة. فمواقفه من معاهدة الشراكة التجارية لدول المحيط الهادئ جعلت الكثير من دول آسيا وأمريكا الجنوبية تشعر بعدم الراحة من استعداد أمريكا للتعاون ومواصلة الدفاع عن التجارة العالمية. وقريباً من الحدود الأمريكية، تواجه المكسيك التي كانت محلاً لنقد ترامب أثناء الحملة الانتخابية مشاكل استثنائية تتعلق بالتجارة والهجرة.
وعليه سيواجه الرئيس المقبل والفريق العامل معه، ضغوطاً شديدة لمعالجة هذه التحديات والمشاكل. وينصح هاس، ترامب وفريقه، بأن «لا يتعجلوا ويفكروا ملياً. فالأولوية الآن وفي الشهور المقبلة هي لتعيين مسؤولين في 4.000 مركز شاغر. وستجد الإدارة الجديدة نفسها تحت الفحص والتركيز في المئة أولى من الحكم، ولكن الأمر ليس بهذه الصورة فلا شيء ساحراً في المئة يوم من 1460 يوماً من الحكم».
كما ينصح الكاتب، الدول الحليفة، بألا تنتظر حتى تبدأ الإدارة مشوارها، إذ عليها البدء في التحاور والمشاركة في الأفكار حول الطريقة التي يمكن من خلالها التعامل مع روسيا والصين وتنظيم «الدولة» وكوريا الشمالية وإيران. ويمكن البدء أيضاً في التفكير بكيفية حماية التجارة الدولية بدون وجود اتفاقيات تقودها الولايات المتحدة.
وحسب هاس، فإن خلال الفترة المقبلة، فإن «ميزان القوة بين النظام العالمي والفوضى العالمية لن يتم مقياسه من خلال أفعال الولايات المتحدة فقط، ولكن من خلال استعداد الدول الأخرى التي كانت متحالفة معها».
وكان ترامب، قد أبدى مرونة في عدد من القضايا التي تخيف الحلفاء، مثل التغيرات المناخية، إذ اعترف بوجود علاقة بين النشاط الإنساني والتغيرات المناخية. وغيّر موقفه من التعذيب واستخدام أساليب «الإيهام بالغرق»، بعد حديث مع الجنرال جيمس ماتيس، كما ورد في مقابلة الرئيس مع صحيفة «نيويورك تايمز».
وتساءل فريد زكريا في «واشنطن بوست»، عن السبب الذي لم يدفع المرشح في حينه للجلوس مع ماتيس والبحث معه في قضية التعذيب مبكراً، مبدياً، في كل الأحوال، أن «يحدث تغييرات أخرى». وتساءل ما إذا كان ترامب، سيغير رأيه في مواضيع أخرى، مثل الاتفاق النووي. فقد يكتشف الرئيس المقبل، وفق زكريا، أن «الاتفاق أغلق الطريق أمام إيران للدخول في النادي النووي. كما أن خروج أمريكا من الاتفاق لن يقود لخروج دول أخرى منه بشكل سيضر بالتجارة الأمريكية»، مضيفاً: «وربما قال ترامب لم أركز كثيراً على منافع الاتفاق».
وفي موضوع تنظيم «الدولة»، ربما اكتشف ترامب، خلال مكالمة مع الرئيس باراك أوباما متخلية، أن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة شن 16.000 غارة على التنظيم ، مستدركاً أن «هذا عدد كبير». وسيعرف أيضاً، أن «أمريكا تركز في جهودها على هزيمة «التنظيم «في سوريا، وليس الإطاحة بنظام بشار الأسد. وسيقول «يقومون بعمل ما دعوت إليه طوال الوقت».
وأشار زكريا إلى «مقترح للنظام الصحي سيكون تعديلاً على النظام الصحي الذي عرف بـ (أوباما كير)، والذي هاجمه ترامب خلال الحملة الانتخابية وتعهد بإلغائه»، ولكنه عاد واعترف في مقابلته الأولى مع «وول ستريت جورنال» إنه قد يحتفظ بأجزاء منه.
وربما قدمت إدارة ترامب، طبقاً للمصدر ذاته «مشروعاً يقتضي من شركات التأمين تسجيل الأشخاص ممن يعانون من مشاكل صحية حالية، وهو ما سيسمح للشركات الحصول على ملايين الزبائن، خاصة أنه سيفرض على الناس شراء التأمين الصحي، وإلا واجهوا غرامة 10.000 دولار».
في مجال خفض الضرائب، فقد يركز ترامب على «الأمريكيين المنسيين»، وأبناء الطبقة المتوسطة، وهناك موقف قد يتخذه من ترحيل العمال غير الشرعيين/غير المسجلين، حيث ستتعامل الإدارة الجديدة مع الموضوع بحذر وروية. إذ إن ترحيل ملايين العمال، وفق ترامب نفسه سيؤثر على المصانع والبناء ويقود إلى الركود الاقتصادي. أما عن تجارته، فقد يقوم الرئيس ببيع «منظمة ترامب» ويبيع كل شركاته ويضع عائدها في «وقفية» يديرها أبناؤه. وهذا المقترح كما يقول زكريا «فانتازيا».
وما ورد في مقال زكريا، مجرد سيناريوهات يمكن أن تؤدي لنجاح إدارة الرئيس المقبل. يقول الكاتب: «أعرف أن هناك الكثير من الناس الذين عارضوا انتخاب ترامب يريدون فشله، أما أنا فلا، فمن الأفضل لأمريكا والعالم لو كان أداء ترامب جيداً في البيت الأبيض. وهذا ليس تطبيعاً، ولكنه اعتراف بالواقع كما والأمل بالأحسن». ويضيف: «عندما يفعل ترامب أموراً لا أوافق عليها فسأحتج بصوت عال، مثل رفضه المتكرر الفصل بين عمله التجاري وموقعه كرئيس».
ويعتقد زكريا أن «الرئيس المنتخب لديه فرصة استثنائية للنجاح، فهناك غالبية أمريكية لم تعد تثق بالنخبة الحاكمة في واشنطن ونيويورك وتعتقد بوجود حلول سهلة للمشاكل التي تواجه الولايات المتحدة. كما أن الامريكيين غير راضين من دور بلادهم في الخارج والذي يعتقدون أنه يؤثر على الناس العاديين. ولهذا وضعوا ثقتهم بترامب، ولو ساعدهم على معرفة واقع العالم وحدود الحكومة فستكون خطوة للأمام. ولو قال لأنصاره إن اتفاق قمة باريس حول المناخ وإن حلف الناتو مهم للاستقرار العالمي فقد ينصتون له».
صدى الشام