على رغم امتناع روسيا عن التصويت في مجلس الأمن على القرار المتعلق باليمن، يبدو المشهد الدولي أقرب إلى التوافق منه إلى الشقاق، ما دام القرار المذكور قد صدر بما يشبه إجماع أعضاء المجلس. لكنه ليس توافقاً على السلام، بل على تهديد الحوثيين وحلفائهم بالفصل السابع، الأمر الذي يعني وقوف «المجتمع الدولي» وراء الحرب الجوية السعودية على الانقلاب الحوثي المدعوم بفلول علي عبد الله صالح.
هذا جديدٌ في المشهد الدولي، هو ثمرة التغيير الكبير في السياسة السعودية الذي حدث بعد تولي الملك سلمان القيادة. ولا يمكن فصل تشجيع الرئيس الأمريكي باراك أوباما على «تدخل عربي» في سوريا، عن آثار هذا التغيير السعودي على توجهات الإدارة الأمريكية بعد إنجازها لاتفاق الإطار على الملف النووي الإيراني. كأن أوباما أطلق يد حلفائه التقليديين للي ذراع نظام الملالي في اليمن وغيرها من جبهات المواجهة مع النفوذ الإيراني، من الآن وحتى اكتمال شروط الاتفاق النهائي مع طهران في نهاية حزيران المقبل.
يبدو منتدى موسكو 2 الذي انتهى قبل أيام، في ضوء هذه التطورات، كما لو كان خارج السياق العام. كان مجرد مناسبة جديدة لعرض بذاءات رئيس وفد النظام الكيماوي بشار الجعفري واستهانته بمحاوريه من «المعارضة المقبولة»، كما عبرت الورقة التي قدمها عما يشبه يأس النظام من أي حل لأزمته ما دام يستنجد فيها بالمجتمع الدولي ليقضي، من أجله، على «الإرهاب» الذي يشمل، في تعريفه له، كل معارضة سلمية كانت أم مسلحة، «داخلية» أم «خارجية»، وليعيد، من أجله أيضاً وأيضاً، اللاجئين والمهجرين إلى ديارهم، ويعيد إعمار ما دمره هو بطائراته وبراميله طوال سنوات أربع.. ولكن بشرط أن يترك الحل السياسي للسوريين أنفسهم بقيادة النظام وبلا أي تدخل خارجي! كأن المجتمع الدولي، الذي طالما شكى الجعفري ونظامه من دعمه للإرهاب، خادم مطيع لدى النظام مطلوب منه إعادة الوضع إلى ما كان عليه، قبل منتصف آذار 2011، ولا يحق له التدخل في أي حل سياسي يقوم فقط على تمكين النظام وتسليم المسلحين لسلاحهم له صاغرين. بكلمات مختصرة، عبرت «الورقة» عن أضغاث أحلام تبعد النظام عن جحيم الواقع الذي تعمل دينامياته لغير صالحه. واقع يقول بخروج مدينة إدلب، بعد الرقة، عن سيطرته، كثاني مركز محافظة يتم طرد قواته منها، مع إشارات قوية إلى قرب انضمام مدينة حلب، العاصمة الثانية لسوريا، إلى المدينتين المذكورتين.
تحدثت مخرجات «موسكو 2» عن شروط النظام المذكورة في ورقته بوصفها «مدخلاً إلى جنيف 3» الذي من المفترض أن يزود النظام بصك شرعي دولي لانتصاره على السوريين وفقاً لأحلام اليقظة التي تراوده. في حين يترقب الجميع «عاصفة حزم» في سوريا، تزداد مؤشراته باطراد، قائمة على توافق حربي سعودي ـ تركي ـ قطري قد يحظى بتغطية سياسية أمريكية. تتحدث بعض السيناريوهات التي يتم تداولها عن توغل بري تركي في الشمال مع تغطية جوية من الطيران السعودي. قد يمكن قراءة التطورات العسكرية في مدينة حلب ومحيطها القريب بوصفها مقدمة للسيناريو المذكور. فتحرير القسم المتبقي تحت سيطرة النظام من المدينة من قبل الفصائل العسكرية الموجودة فيها، قد يشجع القيادة التركية على توغل بري لتثبيت الأمر الواقع الجديد الذي سيفرضه تحرير حلب على النظام وظهيره الإيراني. فإذا تمكن طيران التحالف العربي ـ الإقليمي بقيادة السعودية من ضرب الدفاعات الجوية للنظام، يفقد هذا الأخير نقطة تفوقه الأبرز على الثوار وهي السيطرة على الجو.
ولكن دون هذا السيناريو الطموح عقبات كثيرة في الجانب التركي تحديداً. فالحزب الحاكم يتهيأ لخوض انتخابات نيابية ستحدد مصيره في الحكم، وربما تحدد مصير تطلعات الرئيس أردوغان إلى حكم رئاسي يجمع بين يديه كامل السلطات. ولن يكون من السهولة بمكان أن يقنع أردوغان قادة الجيش بخوض مغامرة عسكرية بهذا الحجم وبدون تغطية دولية، أمريكية بصورة خاصة. بيد أن نقطة الضعف هذه يمكنها، في الوقت نفسه، أن تشكل نقطة قوة، بالنظر إلى ما يدور من كلام، في الرأي العام التركي، عن «استعداد أردوغان لفعل أي شيء يوصله إلى أهدافه» في استمرار حزب العدالة والتنمية في الحكم وتكريس موقعه الرئاسي بصلاحيات مطلقة لحكم البلاد. هذا الاستعداد «لفعل أي شيء» لماذا لا يدفع الرئيس التركي وأركان حكومته إلى مغامرة عسكرية خارجية مدعومة بقوة من دول الخليج؟
زيارة أردوغان إلى طهران، الأسبوع الماضي، لا توحي أبداً برغبة تركية في التورط بصراع مكشوف ضد جارتها الشرقية. وعلى رغم الخلاف الحاد بين سياستي البلدين، في سوريا وغيرها من المواقع المشتعلة بسبب النفوذ الإيراني، تبدو طهران وأنقرة أقرب إلى التنافس الاقليمي السلمي منهما إلى الصراع العنيف. يمكن لإيران أن تتحمل تدخلاً تركياً في سوريا بواسطة وكلاء من الفصائل السورية المسلحة، تماماً كما تفعل إيران نفسها في تدخلها في ساحات الصراع بواسطة وكلائها المحليين.
أما أن تتوغل تركيا بجيشها داخل الأراضي السورية، فهذا يغير قواعد اللعبة المقبولة إيرانياً. من المستبعد أن ترد طهران، في هذه الحالة المفترضة، بحرب مباشرة ضد تركيا. فمنذ القرن السادس عشر لم تخض إيران حروباً خارجية، باستثناء حربها الدفاعية ضد عراق صدام حسين في ثمانينات القرن الماضي. هي تستخدم التناقضات الاجتماعية – السياسية الموجودة داخل بعض بلدان المنطقة، وتدعم جهات محلية في نوع من حروب بالوكالة في صراعها على النفوذ الاقليمي. وبطريقة لا مفر منها تحول هذا المسار إلى صراع شيعي ـ سني اخترق عدداً من الدول. وهكذا يمكن توقع الرد الإيراني على توغل تركي محتمل في سوريا بالسعي إلى خلق اضطرابات داخلية في تركيا انطلاقاً من المكون الشيعي ـ العلوي التركي الذي يقدر بنحو 12 مليون نسمة ويشكو من مظلومية تاريخية ازدادت بروزاً بعد وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم.
المرجح، على أي حال، ليس اقتراباً من جنيف 3 باتت بعيدة جداً بعد حرب اليمن، بل عاصفة حزم لسوريا ليس واضحاً أي شكل قد تتخذ، وأية نتائج قد تفرز.
بكر صدقي – القدس العربي