«القدس العربي»: بدأت السلطات الفرنسية يوم أمس الاثنين صباحا عملية إخلاء مخيم كاليه شمالي فرنسا الذي يأوي نحو ثمانية آلاف مهاجر ولاجئ، وسط إجراءات أمنية مشددة. وأكدت حكومة مانويل فالس أن عملية الاخلاء ستستمر كما تم التخطيط لها لمدة أسبوع. ومنذ الصباح الباكر تجمع مئات المهاجرين نساء ورجالا وأطفالا في طوابير طويلة في مكان مجهز خصصته السلطات ليكون مقر قيادة العملية، وتبلغ مساحته نحو ثلاثة آلاف متر مربع، لا يبعد عن المخيم إلا بنحو 300 متر، وستتولى نحو 60 حافلة نقل هؤلاء للمركز لتسجيل أنفسهم، ثم بعد ذلك يتم نقلهم إلى مراكز الايواء التي اختاروها بأنفسهم أو عرضت عليهم.
وأكدت محافظة منطقة بادو كاليه صباح يوم الاثنين أن عملية الاخلاء» تمر في أجواء جيدة، ولم نلحظ لحد الساعة أي تردد أو مقاومة من طرف المهاجرين»، وأضافت « إنه يوم تاريخي لمدينة كاليه وللمهاجرين أنفسهم، لأنهم سيبدأون حياة جديدة من أجل مستقبل أفضل «، نفس الشيء أكده وزير الداخلية الفرنسي برنار كازنوف صباح الاثنين قائلا «عملية الإخلاء تمر في جو هادئ وبطريقة منظمة، وهذا بفضل تكاتف الجهود مع كل السلطات والوزارت الوصية إضاة إلى الجهد الكبير للجمعيات». كما أعلنت منظمة «الإغاثة الكاثوليكية» في بيان تشيد فيه بالتنظيم «المحكم والجيد لعملية إخلاء المخيم». ويجدر الإشارة إلى أن الجمعيات التي تعمل في عين المكان منذ أسابيع، أكدت أن نحو 2000 مهاجر لا يريدون مغادرة المخيم، لأنهم يرغبون بالعبور نحو بريطانيا، ولا يريدون الإقامة في فرنسا، بعضهم لمح إلى اللجوء إلى كل أشكال «المقاومة» من أجل عدم ترحيله.
287 مركز ايواء
كما قامت وزارة الداخلية الفرنسية باستقدام نحو 1500 من أفراد الشرطة للسهر على تأمين سير عملية إخلاء المخيم، ومن أجل عزل نحو 150 ناشطا من منظمة «نو بوردرز» المحسوبة على اليسار الراديكالي، التي تدافع على حقوق المهاجرين في كاليه، ولا تؤمن بالحدود بين الدول. السلطات الفرنسية كانت حذرت هؤلاء الناشطين من استغلال مأساة اللاجئين والمهاجرين للترويج لأفكارهم، من أجل نشر الفوضى والتحريض ضد إخلاء مخيم كاليه. وكانت قوات الأمن قد دخلت يوم الأحد في مناوشات واشتباكات متقطعة بين مهاجرين وناشطين يساريين، في محيط المخيم، واستعمل عناصر الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع بعدما قالوا إن عشرات المهاجرين رشقوهم بالحجارة. كما أن عناصر الأمن قامت منذ الأحد بقطع الطرق المؤدية إلى المخيم وفرضت على كل من يريد الدخول لمنطقة الاستقبال الكشف عن هويته ووضع «شارة» خاصة على صدره.
ومن المقرر أن يتم توزيع هؤلاء اللاجئين على 287 مركز إيواء في كل مناطق فرنسا، وتتولى السلطات تقسيمهم إلى أربعة أقسام : «الكبار» و«العائلات» و»القاصرون من دون ذويهم»، و«الأشخاص في حالة ضعيفة» ( مرضى، نساء حوامل)، ويتولى المركز الفرنسي للهجرة والإدماج اقتراح منطقتين لكل مهاجر من بين 12 منطقة فرنسية، حيث يوجد مراكز الاستقبال، كما يتيح للاجئين الذهاب، أفرادا أو جماعات خصوصا إذا كانوا من نفس البلد.
وأكدت السلطات الفرنسية صباح أمس أن المهاجرين الذين قبلوا إخلاء المخيم منذ اليوم الأول، استقلوا حافلات لمنطقة «لوفرني»، أغلبهم سودانيون وإثيوبيون.
وبعد وصول هؤلاء إلى مراكز الايواء ستتولى السلطات المحلية كالبلدية والمحافظة، العمل على إدماجهم في المجتمع الفرنسي عبر توفير في المرحلة الأولى مراكز تقيهم من الصقيع و من برد فصل الشتاء القادم، وكذلك البدء في الإجراءات الإدارية لتقديم ملفاتهم من أجل الحصول على وثائق الاقامة كلاجئين. وكان ةزير الداخلية تعهد «ألا يتم ترحيل المهاجرين المسجلين في مخيم كاليه إلى بلدانهم، في حال قبلوا الذهاب لمراكز الايواء».
أحصت السلطات الفرنسية نحو 1300 قاصر من بين نحو ثمانية الاف مهاجر في مخيم كاليه، بينهم 500 أكدوا وجود أحد أفراد عائلتهم في بريطانيا. وأكدت السلطات الفرنسية الاثنين أن القاصرين غير معنيين في الوقت الراهن بعملية الإخلاء لأنه تم تخصيص مركز يأوي نحو 1500 شخص لإيواء وحماية هؤلاء الأطفال بشكل مستعجل في مدينة كاليه، ريثما يتم إيجاد حل نهائي لهم، عبر التحاقهم بذويهم في بريطانيا أو بمراكز تأهيلية خاصة بالقصر في فرنسا.
وخلال الأسبوع الماضي أكدت منظمة «فرنسا أرض اللجوء» أن نحو 200 طفلا قاصرا عبروا نحو بريطانيا بينهم 53 فتاة في إطار ما يعرف ب « التجمع العائلي» من أجل الالتحاق بذويهم . وعبر رئيس المنظمة بيار هانري أن الحكومة البريطانية عبرت عن عزمها «استقبال نحو 600 قاصر ولكن بشروط «، وأضاف أن» الدستور البريطاني يحمي الطفولة وبالتالي فنحن عازمون على أن يلتحق أكبر عدد من هؤلاء الأطفال بعائلاتهم، خصوصا أن القانون البريطاني يسمح بتوسيع مفهوم العائلة لتشمل الأعمام والأخوال» كما يحمي القانون « الأطفال في وضعية هشة وضعيفة».
كما أن الحكومة البريطانية أرسلت 17 موظفا تابعا لوزاتي الداخلية والهجرة إلى كاليه من أجل التنسيق مع السلطات الفرنسية لتسريع وتيرة بحث ملفات المهاجرين، وأجرت نحو 600 مقابلة مع أطفال قاصرين ليتسنى لهم الالتحاق بذويهم في بريطانيا.
مظاهرات رافضة …حرق مراكز ايواء
وعرفت فرنسا جدلا كبيرا في الاسابيع الماضية، خصوصا بعد أن فرضت الحكومة فرضا توزيع اللاجئين بطريقة عادلة على كل المناطق الفرنسية، وهو ما أثار حفيظة بعض السياسيين، كما لقيت الخطوة ترحيبا من بعض السكان فيما آخرون استنكروها.
فقد رفضت كل البلديات الفرنسية التي يديرها اليمين المتطرف استقبال المهاجرين، وأعلن ستيف برياريس، عمدة بلدية مدينة هينان بومون شمالي فرنسا أنه» تم الاتفاق بين رؤساء البلديات التي يديرها حزب الجبهة الوطنية (اليمين المتطرف) بعدم السماح بايواء أي مهاجر غير شرعي». كما أكد فرانسوا باروان القيادي في حزب اليمين المحافظ وعمدة مدينة تروا أن مدينته « لن تستقبل مراكز ايواء للمهاجرين لأننا بكل بساطة عاجزون عن فعل ذلك ولا نتوفر على الامكانيات لاستقبالهم». الجدير بالذكر أن عددا من قيادات اليمين المحافظ إضافة إلى اليمين المتطرف رفضت فكرة توزيع المهاجرين على مختلف مناطق فرنسا معللة ذلك بخشيتها من «انتشار مخيمات صغيرة تشبه مخيم كاليه في كل أنحاء فرنسا». وشهدت عدة مدن فرنسية حملات تحريضية ضد المهاجرين وأعرب عدد من المواطنين رفضهم استقبال مراكز الايواء في مدنهم، كما تم تأسيس جمعيات من أجل إرغام السلطات المحلية بالتراجع عن قرارها، وتم إحراق عدد من هذه المراكز التي كانت أعلنت عنها السلطات الفرنسية في كل مناطق فرنسا والتي تقدر ب450 مركزا.ففي مدينة فارج ليبان في الضاحية الباريسية، أقدم مجهولون على حرق مركز ايواء الشهر الماضي، كان من المقرر أن يستقبل 91 مهاجرا أفغانيا بعد مغادرتهم لمخيم كاليه، وأعلنت السلطات الفرنسية أن الحادث «إجرامي ومتعمد». كما تم إضرام النار في مركز إيواء في منطقة الموربيون وتبلغ مساحته 300 متر مربع، والذي كان من المقرر أن يستقبل 28 مهاجرا، لكن السكان كانوا قد أعربوا للسلطات المحلية عن رفضهم القاطع لاستقبال هؤلاء اللاجئين في مدينتهم. أما في مدينة سان بازيل دو بيتوا، فقد أعلمنت السلطات المحلية يوم أمس الاثنين أنها لاتزال في مفاوضات مع الساكنة لإقناعها باستقبال نحو 87 مهاجرا من مخيم كاليه، وأعربت عن استعدادها لخفض هذا الرقم إلى النصف من أجل تبديد مخاوف المواطنين.
وفي المقابل خرجت عدة مظاهرات مساندة ومرحبة بفكرة مراكز ايواء المهاجرين، وهو ما تسبب في نشوب مناوشات مع محتجين آخرين رافضين للاجئين في عدة مدن في أنحاء فرنسا مثل كونياك وبيير فو وتريغاستيل . ففي مدينة كونياك جنوب شرق فرنسا خرجت يوم السبت الماضي مظاهرة تحت عوان «مسيرة من أجل العدل» ترحب بالمهاجرين، وتم تأسيس موقع أنترنت»كونياك مع المهاجرين» يحث المواطنين على المساهمة المادية والعينية عبر توفير البطانيات، ومختلف الأفرشة والألبسة للاجئين القاديمين من كاليه، والذين تعتزم البلدية استقبالهم في غضون الأيام المـقبلة.